الساعة الآن هي الخامسة وست وعشرون دقيقة من مساء يوم الاثنين…الثالث عشر من أكتوبر ها قد وصلت طائرة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب شرم الشيخ ومع أهلا وسهلا..تلك كلمات:
في لحظة مفصلية يعيشها وطننا العربي، تكتسب مصر بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي موقعًا محوريًا جعلها تقود مسار السلام في الشرق الأوسط، وتجسد رؤيتها الأمنية الشاملة كمنهج للتوازن بين القوة والبناء، بين الدفاع والديبلوماسية، بين السيادة والإنسان.
إن التوقيع المرتقب لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة خلال قمة السلام في شرم الشيخ يعكس تجلّياً جديداً لرؤية مصر في مفهوم الأمن القومي الشامل، وهو المفهوم الذي سعت الدولة المصرية إلى ترسيخه عمليًا على مدى السنوات الماضية، حيث تماهى فيه صوت القوة مع لغة العقل، وامتزجت فيه ملامح الدولة الصلبة بروح الدولة الإنسانية.
أولًا: مصر في مركز المشهد العالمي
لم تعد مصر مجرد وسيط سياسي أو طرفٍ راعٍ للمفاوضات، بل أصبحت الفاعل المؤسس لمعادلة الاستقرار الإقليمي. استضافتها لقمة السلام في شرم الشيخ تمثل اعترافًا عالميًا بمكانتها، وتأكيدًا على أن القرار المصري بات ركيزة لا غنى عنها في هندسة التوازنات الشرق أوسطية.
إنها لحظة دالة في التاريخ السياسي الحديث، تؤكد أن مصر تملك إرادة الفعل لا مجرد رد الفعل، وأنها تستعيد دورها المحوري القائم على تحقيق السلام من موقع القوة، لا من موقع التنازل أو المساومة.
ثانيًا: الأمن القومي الشامل — المفهوم والرؤية
لم يكن مصطلح “الأمن الشامل” في الخطاب المصري الراهن شعارًا إنشائيًا، بل أصبح فكرًا استراتيجيًا متكاملًا يربط بين أبعاد متعددة تتساند ولا تتصادم:
الأمن العسكري: تطوير القدرات الدفاعية وردع التهديدات الخارجية.
الأمن الاقتصادي: تحقيق التنمية والإنتاج، وخلق بيئة مستقرة جاذبة للاستثمار.
الأمن الاجتماعي: بناء مجتمع متماسك قائم على العدالة والمواطنة وحماية الفئات الضعيفة.
الأمن الثقافي: تحصين الوعي الجمعي من التشويه، وإعادة بناء منظومة القيم بالثقافة والفن والإعلام.
الأمن الصحي والتعليمي: لأن الدولة القوية هي التي تُحصّن عقول أبنائها وأجسادهم معًا.
في ضوء هذا المفهوم، يتجاوز الأمن حدوده التقليدية ليصبح مشروعًا إنسانيًا وتنمويًا في آن واحد، تسهم فيه المؤسسات كافة، من الجيش إلى الجامعة، ومن الاقتصاد إلى الثقافة.
ثالثًا: قمة شرم الشيخ وتجليات الدور المصري:
تمثل قمة السلام في شرم الشيخ انعطافة كبرى في المسار الدبلوماسي المصري، إذ جمعت مصر بين مكانة الدولة صاحبة القرار والقدرة الأخلاقية على جمع الفرقاء حول مائدة الحوار.
فحين تُوقّع الاتفاقات على أرضها، وتُرفع أعلام السلام في سمائها، فإن الرسالة تتجاوز الحدث السياسي لتؤكد أن السلام جزء من هوية الدولة المصرية الحديثة، وأن شرم الشيخ اليوم ليست مدينة سياحية فحسب، بل منبر من منابر السياسة العالمية الجديدة.
هذا الدور لم يأتِ مصادفة، بل هو ثمرة رؤية واعية تبنّاها الرئيس السيسي منذ توليه المسؤولية، رؤية تؤمن بأن أمن مصر لا يُبنى فقط على حدودها، بل على امتداد استقرار الإقليم بأسره.
رابعًا: من الدفاع إلى البناء — التحول في مفهوم القوة:
لقد أثبتت التجربة المصرية الحديثة أن القوة الحقيقية لا تُقاس فقط بترسانة السلاح، بل بقدرة الدولة على البناء والتماسك والإبداع.
فالمشروعات القومية العملاقة لم تكن غاية في ذاتها، بل وسيلة لترسيخ الأمن الوطني، وإعادة تعريف العلاقة بين المواطن والدولة على أساس من الثقة والانتماء والعمل المشترك.
وهكذا تتجسد فكرة “القوة الهادئة” التي تمارسها مصر في محيطها العربي، قوة توازن بين الردع والرحمة، بين الحزم والاحتواء، بين صلابة الموقف وإنسانية المقصد ، برؤية تعي تماما متطلبات الأمن القومي الشامل .
خامسًا: الرؤية الإنسانية للسلام:
السلام الذي تصوغه مصر اليوم ليس سلامًا سياسيًا تقنيًا، بل سلام يحمل بعدًا إنسانيًا عميقًا، ينطلق من الإيمان بحق الشعوب في الحياة الكريمة، وبأن العدالة لا تنفصل عن الأمن، وأن الكرامة هي البوابة الأولى لأي استقرار دائم.
إنها رؤية تجعل من مصر نموذجًا فريدًا في الجمع بين الأمن والضمير، بين المصلحة والمبدأ، بين الدبلوماسية والقيم.
بعبارة مختصرة:
ما تشهده المنطقة اليوم من تحولات عميقة يجعل من مصر القلب النابض للعقل العربي والضمير الإنساني وهذا ما يجعلنا نؤكد أن مصر تمتلك فكر الدولة الحديثة هي ضمير المنطقة.
إن مصر لا تسعى إلى مجد سياسي عابر، بل إلى ترسيخ مشروع حضاري متكامل ، يعيد للعالم العربي ثقته بنفسه وبقدرته على صناعة المستقبل.
وفي قمة السلام بشرم الشيخ، تتجسد تلك الرؤية بعمقها الدلالي والإنساني، حيث تلتقي إرادة القيادة المصرية مع رسالة الدولة الحديثة في صياغة أمنٍ شاملٍ يُنبت من رحم المعاناة غصنَ سلامٍ جديد، يظلل به العالم العربي ، ليخرج هذا العالم من بحر الظلمات إلى شاطئ النور.
حفظ الله مصر الحبيبة بشعبها وقيادتها الحكيمة وجيشها الباسل وأجهزة استخباراتها وأمنها ودبلوماسييها وإعلامييها ..