كتب / الباحث في التراث المصري خطاب معوض خطاب
يمثل الشنب عند المصريين عامة وفي الصعيد والريف خاصة علامة ودلالة على الرجولة، ولذلك نادراً ما نجد رجلاً في الصعيد دون شنب، وقد أشارت السينما المصرية إلى ذلك في عدد من أفلامها، مثلما شاهدنا منتصر الذي قام بأداء دوره الفنان أحمد زكي في فيلم “الهروب”، والشنبات لها مواقف مشهودة على مدى تاريخ السينما المصرية، وهناك من نجوم السينما المصرية من تمسك بشنبه ولم يحلقه وأصبح الشنب علامة مميزة له، ومن هؤلاء النجوم زكي رستم وأحمد مظهر وسمير غانم ورشدي أباظة ويوسف شعبان وزين العشماوي وعزت العلايلي وفاروق الفيشاوي وأحمد عبد العزيز وطلعت زكريا وخالد صالح وغيرهم.
ولو بحثنا عن معنى كلمة الشنب في اللغة العربية، لوجدنا في معجم المعاني وفي المعجم الوسيط أن الشنب هو جمال الثغر وصفاء الأسنان وجمالها، أي أن الشنب هو جمال الفم وصفاء الأسنان، ولكن لفظ الشنب يطلق حاليا على الشارب فقط، والشارب هو ما ينبت على الشفة العليا من الشعر، أما عن الشنبات في أفلام السينما المصرية فلها رحلة طويلة معها .
نبدأها مع فيلم “30 يوم في السجن” حيث يقوم مدحت الشماشيري بإشعال سيجارة محروس بك النجعاوي بن كبير النجعاوية، وبدلا من إشعال السيجارة يحرق شنبه فيقول له في غضب: “أنا قلت لك ولعلي، مش ولعني”.
ويأتي بعد ذلك الموقف الشيخ جابر والد محروس النجعاوي وكبير النجعاوية ومعه المتر خفاجة خفاجة المحامي ليطلب تعويضاً عن الشنب المحترق، ووصف المتر خفاجة خفاجة المحامي وقتها حادثة حرق شنب محروس النجعاوي بأنها حسب وصفه جريمة شنعاء، وجريمة بشعة يشيب لها الوليد في بطن أمه، وجريمة تقول لجرايم ريا وسكينة قوموا وأنا أقعد مطرحكم، كما وصف الحادث بأنه قد أفقد موكله هيبته النجعاوية مما دفع مجلس النجع للاجتماع وإعلان الحرب، وفى المحكمة ترافع المتر خفاجة خفاجة وقال: “يا حضرات القضاة، إن احتراق شنب موكلي لا يقل في أهميته التاريخية عن احتراق روما، إن موكلى قد ربى شنبه فأحسن تربيته، وأدبه فأحسن تأديبه طوال ٤٠ عاما”.
وهذا الفيلم الكوميدي الذي تدور فكرته الأساسية حول حرق الشنب، وكيف أنه يفقد الرجل هيبته، وبالفعل في وقت من الأوقات كان الشنب هو علامة وعنوان الرجولة في مصر ورمز الشرف ولا تجوز حلاقته، لدرجة أن الرجل كان يحلف ويقسم قائلا: “أحلق شنبي لو ده حصل”، وكان أحد الفتوات يتحدى أقرانه قائلا: “أكبر شنب فيكم يوريني نفسه”، وكان هذا دلالة على قوته ورجولته، ولا ننسى كلام الشاعر صلاح جاهين في أوبريت “الليلة الكبيرة”:
“أنا شجيع السيما
أبو شنب بريما
أول ما أقول هيلا هوب
واصرخ لي صرخة
السبع يتكهرب
ويبقى فرخة”
كما شاهدنا في فيلم “الأرض” كيف أن رجال البوليس حينما أرادوا إذلال محمد أبو سويلم بعد القبض عليه قاموا بحلق شنبه، لدرجة أنه بكى وهم يفعلون ذلك، وبعد عودته إلى بلدته اختفى عن الأنظار ولم يخرج من بيته لإحساسه بالانكسار والعار والذل والمهانة، وكان إذا التقى أحدا غطى وجهه ليداري شنبه الحليق وكأنه يستر عارا لحق به .
وفي فيلم “ياسمين” حينما أرادت البنت الصغيرة ياسمين أن تقبل جدها الباشا وهو نائم لكن أعاقها شنبه الطويل، فأحضرت المقص وقصت له شنبه ثم قبلته، وحينما استيقظ من نومه ثار من أجل شنبه المقصوص، ولكنه بكل حنان وعاطفة ابتسم حينما علم أن ياسمين حفيدته العائدة هي من فعلت ذلك.
ونجد أن بعض الأفلام قد عرضت حلق الشنب بطريقة كوميدية، مثلما قام إسماعيل ياسين بحلق نصف شنب عبدالفتاح القصري في فيلم “ليلة الدخلة”، ومثل ظهور الفنان حسن أتلة صاحب مقولة سي لطفي أنا عندي شعرة ساعه تروح وساعة تيجي بنصف شنب أيضا في أكثر من فيلم، والطريف هو ظهور بعض الفنانات بشنبات في العديد من الأفلام السينمائية، مثل سعاد حسني ونادية لطفي في فيلم “للرجال فقط”، حينما انتحلتا شخصية اثنين من المهندسين وذهبتا للعمل في الصحراء وسط زملائهما من الرجال.
ومن المشاهد الخاصة بالشنب وما زالت محفورة في الذاكرة مشهد ذوبان شنب ولحية عبدالحليم حافظ في فيلم “شارع الحب”، وهذا المشهد يعد واحدا من المشاهد التي لا تنسى في تاريخ السينما المصرية .
كما أننا لا ننسى كلمة الفنان عادل إمام في فيلم “النوم في العسل” حين قال حلوان انضربت، وذلك حينما تم استخدام الشنب وسقوطه بعد أن كان شامخا تحت أنف الساعي في الفيلم كناية على انكسار الرجل وعدم قدرته على ممارسة مهامه كزوج.