بقلم الكاتب الصحفي / حمدي رزق
لامنى بعض الأحباب على معادلة حسابية قلت بها تليفزيونيًّا ذات يوم، وأكررها بمناسبة فتح باب الترشيح لانتخابات التجديد النصفى في نقابة الصحفيين (النقيب وستة من الأعضاء).
المعادلة المكروهة تقول: «عدد الصحفيين ١٤ ألفًا، المستورون منهم ألف، والمشهورون مائة، والمحظوظون منهم عشرة»، وهذا جزافيًّا يجسد تدهور الحالة الاقتصادية لغالبية الصحفيين، والتى تشكل عمق الأزمة التي سيواجهها مجلس النقابة في تشكيله الجديد، ليست مطالب فئوية ولكنها مطالب معيشية.
العزوف عن الترشيح لمَن يملكون مؤهلات الخدمة النقابية مثل التولى يوم الزحف، جد مطلوب مرشحون مهنيون يستبطنون الواجب الخدمى في نقابة الصحفيين، مطلوب وبشدة صحفيون متجردون لإنقاذ مهنة تكاد تلفظ أنفاسها تحت وطأة أزمتها الداخلية، التي تمسك بخناقها تحت سُعار مستلزمات الإنتاج (ورق وأحبار..)،
ولا يُنبئك مثل خبير، مثل المهندس «عبدالصادق الشوربجى»، رئيس الهيئة الوطنية للصحافة، الرجل يعانى الأمَرَّيْن لتوفير مستلزمات الإنتاج بكلفة باهظة، فضلًا عن النقص الحاد في أعداد المطبوع من الصحف اليومية والأسبوعية والشهرية، وتغوُّل الإصدارات الإلكترونية، التي يفضَّل أصحابها «متدربين» وليسوا محترفين لضغط الإنفاق، مع تدهور سوق الإعلانات، التي كانت تعوض بعض النقص في المبيعات التي بلغت أرقامًا لا تصدق، لو صادف نشرها.
أزمة الصحافة المصرية متجسدة في بطالة حقيقية وأخرى مقنعة ولأسباب، يعانيها آلاف الصحفيين في المؤسسات القومية والحزبية والخاصة، جد العاطلون كثر، والمتاح من منصات صحفية محدود بالقياس لأعداد الصحفيين، راجع جداول المشتغلين، وكم منهم يشتغل بشكل فعلى زهاء الـ١٠٪، والباقى يبحثون عن فرصة عمل حقيقية، وبأقل الأجور، وحتى هذه الفرصة الغائبة لا تتوفر إلا بشق الأنفس.
ربما لا يعرف البعض أن كثيرًا من الصحفيين يعتاشون على (بدل النقابة) المحسودين عليه مجتمعيًّا، والذى لا يكفى الصحفى «عيش حاف»، وقسم منهم ارتحل عن المهنة إلى نشاطات أخرى قد تدر دخلًا يلبى مطالب الأسرة، الطاحنة بفعل الغلاء المتفشى، وبعضهم- ويَعِزّ على مثلى القول- يعمل في مهن ليست لائقة بمكانته المفترضة (كصحفى)، ولكن إيه اللى رماك على المر.
حديث الحريات الصحفية مصون، ولا تثريب عليه، ولكن حديث فرص العمل طاغٍ، وأعداد المفصولين لضغط النفقات في الصحف الخاصة يلقى بآثاره السلبية على مجمل الأوضاع الصحفية، خطط تقليص العمالة مفعَّلة سرًّا وعلانية، وبعض أصحاب الصحف بات مؤرَّقَا من استدامة الإصدارات في ظل خسائر محقَّقة، تعالجها الحكومة في المؤسسات القومية بالدعم المالى والعينى (الرواتب ومستلزمات الطباعة)، وهى أرقام تزيد على المليار جنيه سنويًّا.
خلاصته مطلوب مرشحون أكفاء مفطورون على الخدمة العامة، النقابة يجب ألا تكون «حائط المبكى»، مستوجب نهضتها من كبوتها، ورفع الخيش القمىء عن واجهتها- للأسف لم تعد تبين لها واجهة، قد تضل الطريق إليها- وأن تقوم بواجبها حماية للصحفيين من تغوُّل الأزمة الاقتصادية.
لو توفر هؤلاء المخلصون، وأحسنت الجمعية العمومية اختيارهم (فى مارس) (قوميين نسبة إلى المؤسسات القومية، ومعارضين من الصحف الحزبية والخاصة)، لَشكّلوا مجلس إنقاذ عاجل قبل أن يفوت الأوان بمهنة ظلت دومًا في صدارة المشهد المصرى، وتوفرت على إصدارات منيرة في سماء المنطقة العربية، وبرزت وجوهها في الصحافة العالمية إبداعًا.