بقلم الكاتب الصحفي / حمدي رزق
«اللهم ارحم روحًا صعدت إليك ولم يعد بيننا وبينها إلا الدعاء»، وخالص العزاء للداعية عبدالله رشدى فى وفاة السيدة زوجته، ودعاء بالصبر والسلوان .
هالنى عتاب من صديق، قلّبَ المواجع والأحزان، معاتبًا قال: أليس عبدالله رشدى هذا الذى تعزيه من يرفض تعزية المسيحيين، ويأنف الترحم عليهم.. أنسيت أن رشدى هو من سلق ولايزال إخوتنا المسيحيين بلسانه، ويجلدهم كل حين بأحاديثه، ولا يكفّ عن أذاهم هو ومن تبعه!.
وتحول العتاب الودود إلى مجلدة، من الجَلْد، وكأنى (أنا) تغيرت أو غيرت موقفى الفكرى من رشدى، قاطعًا قال: كان حريًا بك الصمت، ولكن أن تعزيه وتترحم على زوجته، فهذا ما استنكفه منك!.
لو جال صديقى الغاضب فى الفضاء الإلكترونى، لشهد نموذجًا مصريًا راقيًا من الخلق الكريم، العزاءات سودت الصفحات الإلكترونية، ولم يتخلف مسلم أو مسيحى عن كفّ عزاء إلكترونى فى سماحة راقية ونفوس طيبة اتضاعا أمام جلال الموت.
لم أستغربها من شعب يقف إجلالا للموت منذ فجر الزمان، مخزونه الإنسانى يرتقى به فوق الثارات والحزازات الدنيوية، فى الموت حكمة، وعظة، تترجم شراكة إنسانية فى المصائب، الشراكة الإنسانية أبقى، العروة الوثقى، وما بيننا ود ومحبة ورحمة أعز وأكرم عند الله.
هذا الاختبار الإلهى يضعنا جميعًا أمام حقيقة أنفسنا، وتستخرج الطيب من قاع النفوس، القلوب مفعمة بالمحبة، فقط نصل إلى قرارها المكين، تروى النفوس العطشى بمياه عذبة من نهر المحبة، شربة لا يظمأ بعدها إنسان أبدا.
فى مصابه، أعانه الله عليه، وسكب من رحمته على قلبه المفطور حزنًا، فرصة وسنحت لرشدى أن يراجع ما قبل على ما بعد، وأن يقف أمام نفسه كما وقف أمام القبر باكيًا يطلب رحمة من الرحمن الرحيم، ويتضع، ويترحم، ولا يقطع رحمًا وطنيًا، ويرسم صورته تاليًا داعيًا إلى المحبة بين الناس.
النصيحة خالصة، وقبلها خالص العزاء، ثم بعد، وإجلالًا للموت، يلزم الصمت هنيهة، هالنى أن تستبيح بعض المنصات الإلكترونية موت زوجة الداعية الشهير، وتغرق فى تفاصيل البلاغات المتبادلة بين رشدى والمستشفى الذى توفيت فيه السيدة زوجته، اهتبالًا لشهرة الرجل، وحطًا عليه.
محامى رشدى، للأسف، لم يكتف بالبلاغ عن خطأ طبى يتهم فيه المستشفى بالتسبب فى الوفاة، بل خرج على الفضائيات ببلاغه، والمستشفى يرد ببلاغ يطالب بكلفة العلاج.. وهكذا دارت الدائرة الشريرة، والناس تتفرج، وتشيّر، وفضائيات الليل وآخره تتفاعل، وسيل من تغريدات وتويتات، جد قصة محزنة، الموت مبقاش له جلال يا جدع.
شهرة رشدى ومواقفه الجدلية فتحت الشهية لأكل لحم الميتة.. ما هكذا تُورد الإبل، ولا يصح فى حالة وفاة، ملابساتُها محزنة، التراشقُ الفضائى.. للموت حرمة.. والبلاغات جهة قضائية تحققها.. والصمت مستوجب حتى تنجلى الحقيقة.
الرغبة الشريرة فى النيل من رشدى لا تصح البتة فى سياق فجيعة أصابته، فى هذا خروج عن آداب احترام الموت وخدش لقدسيته، والدعاء بالرحمة واجب، والترفق بأهل الميت وتطييب خاطرهم مستوجب.. «إنّا لله وإنّا إليهِ رَاجعُون».