بقلم الكاتب الصحفي / حمدي رزق
أن تأتى متأخرًا، دخول المستشار «عمر مروان»، وزير العدل، على ملف «ازدراء الأديان» سيُكتب له فى ميزان حسناته القضــائية .
الازدراء ملف ملغوم، ويُخلف إشكالات مجتمعية وقانونية تكبل أصحاب الفكر والرأى، وأحيانًا تزج بهم فى السجون.
لفتنى اهتمام «الرئيس» بهذا الملف رغبة فى تصويبه نحو مزيد من الحريات الفكرية، حرية التفكير والتعبير أسمى أمانينا، فليس صحيًّا أن يكبل الفكر من عنقه بحبل الازدراء، يخنقه، والتهمة للأسف مطاطة وتخضع للتأويل.. فيها قولان لأهل العلم.
جيد تشكيل لجنة خبراء مؤهلة من «وزارة الأوقاف والأزهر ودار الإفتاء» للنظر فى هذه القضايا، ومراجعتها، وتمحيصها تعرُّفًا على أركان الجريمة وملابساتها ملتحفة بظروفها.
وتفاكرًا مع الوزير مروان، مقترح رفد هذه اللجنة، (بحسب مقترح المستشار نجيب جبرائيل المحامى)، بخبرات قانونية وفكرية وثقافية لإحداث تنوع فى تشكيلة اللجنة تعظم مردودها فى السياق المرتجى كبحًا لهذه البلاغات بـ«الازدراء»، التى استباحت حيوات المفكرين والمثقفين وحتى العاديين بتهمة يقال عنها وصفًا (مطاطة).
اللجنة مقترح حكومى معتبر ومقدر، ولكن كيف نجفف منبع هذا السيل من القضايا التى نشهد منها فصولًا مأساوية كل حين، وقبل أن تصل إلى النيابة ومنها إلى المحكمة؟!.
الإجابة عند مجلس النواب، ومستوجب على السادة الأعضاء النظر فى مادة الازدراء فى قانون العقوبات تحديدًا الفقرة «و» من المادة ٩٨ من قانون العقوبات، وهى منبع الأذى الذى يطول المفكرين، ويخنق حرية التعبير.
الفقرة «واو» تنص على: «يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تجاوز خمس سنوات أو بغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه ولا تجاوز ألف جنيه كل مَن استغل الدين فى الترويج أو التحبيذ بالقول أو بالكتابة أو بأى وسيلة أخرى لأفكار متطرفة بقصد إثارة الفتنة أو تحقير أو ازدراء أحد الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها أو الإضرار بالوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعى».
لو أحسن النواب الموقرون لتوفروا على إلغاء الفقرة «واو».
بقاء هذه المادة (٩٨) على ما هى عليه، وبما تحتوى على عقوبات سالبة للحريات، يكتوى بحروفها الكُتّاب والمفكرون والمجتهدون، يناقض كونها «دولة مدنية حديثة « .
الفقرة «واو» أس البلاء تفسح ل «المحتسبين الجدد» طريقًا سالكة لرفع المزيد من القضايا على المجتهدين، وتفتح الباب واسعًا لتقييد حرية الفكر، ومطاردة المفكرين.
فقرة تسمح للمحتسبين الجدد بالتنقيب عن جملة فى رواية أو شطرة فى بيت شعر، أو خط متموج فى لوحة، أو لفظ طائش فى حوار فضائى، من أين تؤكل الكتف؟!.
تهمة الازدراء بالأساس يحركها محتسبون دينيًّا، وتعود النيابة والمحكمة إلى المؤسسة الدينية نفسها تستفتيها فى أمر الازدراء، فى مثل هذه القضايا تحديدا صارت المؤسسة الدينية مدعيًا وحَكَمًا!!.
استمرارية هذه الفقرة المطاطة تجهض محاولات معتبرة للخلاص من ربقة المحتسبين الجدد، وتقمع أى محاولة للتفكير خارج أسوار مؤسسة سجن الفكرة ووأد الأفكار!!.
هل ترى الحكومة ضرورة لوجود هذه المادة، وأين دعوة الرئيس إلى «تجديد الخطاب الدينى» من الإعراب؟.
أى محاولة للتجديد ستعصف بالسلفى الموروث، ستواجه حتمًا بقضية ازدراء. وجود هذه الفقرة «واو» يشكل إحباطًا لمحاولات جد حثيثة لتحرير الفكر من ربقة التكفير ببلاغات تهتبل الفقرة «واو»، تحولت فى أيديهم إلى سوط عذاب، ترهيب للمفكرين .