ولأن الجماعة لا تترك مناسبة أو حدثاً إلا وحاولت استغلاله للإساءة إلى نظام الحكم وتثوير الناس، فإنها دائماً تستغل الأحكام ضد قادتها للتحريض ضد الحكم
بقلم الكاتب الصحفي / محمد صلاح
لم تخفت الضجة بعد حول البيان الذي ألقاه، الأسبوع الماضي، نجل الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، وأعلن فيه تفاصيل إغلاق الاتحاد الأوروبي ملفه وشقيقه علاء. لم يخلُ الأمر من تفسيرات وتنظيرات وتحليلات للبيان من حيث الشكل وكذلك المضمون، ولم يفت المعارضين لمبارك ونجليه طرح تساؤلات حول ضخامة المبلغ الذي أفرجت بنوك أوروبا عنه ومصدره، مقابل ترحيب من الطرف المحب لمبارك ونجليه بالتطور الأخير، واعتبار أنه دليل على نزاهة الأسرة وسلامة الطرق التي سلكها علاء وجمال في جمع تلك الأموال.
لكن كان اللافت تلك الحملة التي تبناها تنظيم “الإخوان المسلمين” الإرهابي، وجيش منصاته الإعلامية من أجل التعاطي مع البيان والسعي إلى تحقيق مزيد من الوقيعة بين مؤيدي الرئيس عبد الفتاح السيسي وأسرة مبارك. صحيح أن حصار التنظيم في مصر وفشل دعوات قادته في الخارج لتحريض الناس ضد الحكم، والانقسامات التي تضرب البناء التنظيمي للإخوان، والصراعات بين فريقي تركيا وبريطانيا، نزعت قدرات إخوان الداخل وأصابتهم بالعجز عن أي ظهور علني، إلا أن المثير للدهشة أن التنظيم توهم أن الإشادة بجمال مبارك سبيل لمناكفة نظام الحكم ومؤيديه! خصوصاً أن العلاقة بين مبارك والإخوان ظلت كطرفي مقص، كلاهما مشدود إلى الآخر، رغم ما يبدو من أن طرفيها يسيران في اتجاهين متباعدين، عند نقطة التلاقي كان هناك الشعب المصري الذي أطاح الاثنين، مبارك والإخوان، وعند المسارين حاول كلاهما على مدى ثلاثة عقود دائماً أن يلقي باللائمة على الآخر ويحمّله المسؤولية عن غضب الناس، حتى أن مبارك رأى أن الإخوان كانوا السبب في إسقاط حكمه، ورغم إقراره في خطابه الذي سبق لحظة تنحيه أن للشباب “وجهة نظر محترمة”، وأنه سعى إلى تحقيق مطالبهم التي وصفها بنفسه بأنها “عادلة”، إلا أن رأيه ظل على حاله: الإخوان “عاوزين يحرقوا البلد”، وأن شحن فئات الشعب بالكراهية والغضب وتحويل تلك المشاعر إلى سلوك عنيف أمور وقف الإخوان خلفها ونفذوها بالتعاون مع قوى خارجية.
في المقابل، فإن الإخوان بعد إطاحة حكمهم ظلوا يروجون أن فلول مبارك سعوا دائماً إلى إفشال تجربتهم، وأن الدولة العميقة ومعها الفلول تربصوا بمحمد مرسي وتصيدوا له الأخطاء، وأن ثورة ٣٠ حزيران (يونيو) لم تكن سوى ثورة مضادة استهدفت العودة بالبلد إلى عهد مبارك مجدداً!! وفي سبيلهم لتأليب القوى المعادية لمبارك أو الكارهة له ضد حكم الرئيس السيسي، كانت منصات إعلامهم تردد أن مبارك يحكم البلاد مع ابنيه من داخل سجن طرة!! لكل ذلك استغرب الناس كيف لتنظيم الإخوان أن يتبنى حملة لترشيح جمال مبارك في الانتخابات الرئاسية المقبلة! حتى لو كان اليأس قد دب بين عناصر التنظيم وقادتهم من العودة إلى الحكم، بدا وكأن عجزهم وفشلهم المتكرر في تحريض الناس ضد السيسي جعلهم يعتقدون أن الابن الأكبر لمبارك يمكن أن ينافسه بل أن ينتصر عليه!
دعك هنا من أن الإخوان ركبوا موجة “الربيع العربي”، مستندين إلى شعارات معادية لمبارك وعائلته، وركزوا دائماً على قضية توريث الحكم إلى جمال، وحتى بعد تنحي مبارك، ظل الإخوان حريصين على استغلال أخطاء مبارك ونظام حكمه ورجاله، في اللعب على مشاعر الناس وتوجيه سلوكهم نحو تأييد التنظيم، والصدام مع كل طرف لم يؤيدهم. وحين صدر الحكم بسجن مبارك ونجليه علاء وجمال، اعتبر الإخوان أنه لم يأت على هواهم، إذ “لخبط” لهم خطتهم التي تقوم دائماً على وصف القضاء بالمسيّس، وضرب مسعاهم إلى نفي صفة “الإرهابية” عن جماعتهم، خصوصاً أن الحكم جاء أثناء حملة نظمتها الجماعة وروّجت لها لإثارة الناس على خلفية قضايا أخرى، تتعلق باتهامات طالت مرشد الجماعة ومرسي وعدداً غير قليل من رموز الجماعة بالتورط في الإرهاب، وكذلك التجسس لمصلحة جهات ودول أخرى، فالإخوان يدركون أن الهوة بينهم وبين باقي قطاعات الشعب اتسعت بصورة كبيرة، على خلفية عمليات الإرهاب التي ارتكبها عناصر في التنظيم، وأعمال العنف التي أصابت فئات المجتمع بأضرار بالغة، ناهيك بالطبع بتحالفات الجماعة مع جهات ودول في الخارج، ما أساء لها وجعل من عودتها مرة أخرى كفصيل سياسي أمراً مستحيلاً.
ولأن الجماعة لا تترك مناسبة أو حدثاً إلا وحاولت استغلاله للإساءة إلى نظام الحكم وتثوير الناس، فإنها دائماً تستغل الأحكام ضد قادتها للتحريض ضد الحكم.
في بلد كمصر نجا من رياح “الربيع العربي”، ومرّ بحوادث عصيبة، وانقسم فيه المجتمع وتشرذم إلى فئات وجماعات وشظايا ائتلافات ثورية، وتنظيم له امتدادات خارجية وفروع تسرطنت في العالم، حكم البلاد لمدة سنة ثم جرى إبعاده ويملك أعضاء مستعدين لتنفيذ عمليات انتحارية لهدم البلد على من فيه، انتقاماً ممن كانوا السبب في نزع الحكم عنه، واعتقاداً منهم أن تلبية أوامر المرشد وقادة التنظيم سبيل للدخول إلى الجنة، فإن بيان عائلة مبارك كان مناسبة كفيلة بأن يسعى الإخوان إلى استغلالها وركوب موجتها والقفز فوقها، لينال التنظيم مكسباً حتى ولو زائفاً، فالإخواني الذي لا يرى في العنف إرهاباً، ينفذ ما يؤمر به من قادته عن قناعة تامة، اعتقاداً منه أن تنفيذ الأمر هو السبيل إلى الجنة!!