إخراج زكاة الفطر نقدًا فى زماننا هذا أنفع للفقير، ومراعاة مصلحة الفقير معتبرة شرعًا ومن فقه المقاصد، ولا إنكار على مَن أخرجها قوتًا، وإن ترجَّح لدينا إخراج النقد لسعة تصرف الفقير فيه
بقلم الكاتب الصحفي / حمدي رزق
لن يتغير السلفيون حتى لو قامت الحرب العالمية الثالثة، لا يزالون مُصِرّين على التضييق على الطيبين بالوعيد على إخراج زكاة الفطر قمحًا وشعيرًا وتمورًا، ويفتون بإمكان إخراجها (تجاوزًا) بقوليات، «فول وفاصوليا وأرز».. وغيرها.
ولا يأبهون بأزمة الحبوب العالمية ونقص الأقماح فى الأسواق، وبعمدية خلوٌ من المقاصدية العليا لإخراج الزكاة، يسهمون فى إحداث ربكة فى الأسواق من فرط السحب على المكشوف من المخزون الحرج من الأقماح.
والسؤال: ماذا يفعل ميسور، هل يتكالب على شراء أجولة القمح ليكيلها زكوات؟!، أَنَّى له هذا فى سياق حياة حديثة؟!.
وماذا يفعل فقير فى الحضر بصاع قمح أو شعير، هل يطحنها فى الخلاط ويخبزها أرغفة فى فرن البوتاجاز مثلًا؟!، أخشى أنه سيجمعها فى جوال، ويُعيد بيعها فى الأسواق بأبخس الأسعار، ما يترجم خسارة مُحقَّقة من زكاة مُقدَّرة، فلا هو استفاد منها ولا تمتع مَن أخرجها بثمرة زكاته.
لفتتنى خاطرة رمضانية معتبرة للدكتور «مختار جمعة»، وزير الأوقاف، يُعمل فيها العقل، ويُبين المقاصد الشرعية للزكاة ويُجلِّيها وفق زمانها ومكانها.
«إخراج زكاة الفطر نقدًا فى زماننا هذا أنفع للفقير، ومراعاة مصلحة الفقير معتبرة شرعًا ومن فقه المقاصد، ولا إنكار على مَن أخرجها قوتًا، وإن ترجَّح لدينا إخراج النقد لسعة تصرف الفقير فيه».
ما جادت به قريحة الدكتور جمعة ذهب إليه مفتى الجمهورية، الدكتور «شوقى علام»، بجواز إخراج زكاة الفطر نقدًا، و«إن الأمر فيه سعة ويجب أن نرى ما يحتاجه الواقع ونطبقه، والواقع يقول إن الناس فى حاجة للمال أكثر مما سواه».
وللإيضاح من جانبنا، ولا ندَّعى فقهًا، حاجة الفقراء إلى المال مُلِحّة، أكثر إلحاحًا من صاع قمح أو صاع شعير أو صاع تمر، هذه حاجة الطيبين فى الجزيرة العربية فى صدر الإسلام، وحتى هذه الأنواع من الزكوات اجتهد فيها الصحابة فى حضرة الرسول، صلى الله عليه وسلم، والحاجات تغيرت وتبدلت مع مرور القرون.
يُروى عن معاذ، رضى الله عنه، أنه قال لأهل اليمن: «ائتونى بخميس أو لبيس آخذه منكم مكان الصدقة، فإنه أهون عليكم وخير للمهاجرين بالمدينة»، وفى رواية: «ائتونى بعرض ثياب آخذه منكم مكان الذرة والشعير..».
وأهل اليمن كانوا مشهورين بصناعة الثياب ونسجها، فدفعها أيسر عليهم، على حين كان أهل المدينة فى حاجة إليها، وقول معاذ الذى اشتهر، فرواه «طاووس»، (فقيه اليمن وإمامها فى عصر التابعين)، يدلنا على أنه لم يفهم (معاذ) من قوله صلى الله عليه وسلم: «خذ الحب من الحب» أنه إلزام بأخذ العين، ولكن لأنه هو الذى يطالب به أرباب الأموال، والقيمة إنما تؤخذ باختيارهم، وإنما عين تلك الأجناس فى الزكاة تسهيلًا على أرباب الأموال لأن كل ذى مال إنما يسهل عليه الإخراج من نوع المال الذى عنده، كما جاء فى بعض الآثار، أنه- عليه السلام- جعل الدية على أهل الحلل حللًا.
والدية عند الفقهاء مال، وتجب فى الجناية على النفس أو ما دونها، ويجوز إخراجها من ثلاثة أجناس: الإبل والذهب والفضة لاختلاف الناس فى ذلك.. والزكاة نقدًا بالقياس.