بعيداً عن الاشتباك بين الدين، والدراسات التاريخية والجغرافية، فى محاولة حثيثة لمعرفة مكان غرق الفرعون على وجه الدقة، والبحث عن أى أثر لحادث الغرق، وكل ما يتعلق من آثار لممر الخروج وهرب النبى موسى وقومه عبر سيناء، يتبقى أمر جوهرى، أن سردية الخروج وُظفت على نحو متكرر فى الأدبيات الثقافية والسياسية الصهيونية، كرمز تأسيسى، لتبرير خطة العودة للأرض، وأنها حق دينى وتاريخي، واعتبارها هوية قومية، تربط بين الشعــب والأرض !
لذلك، فإن
سردية الخروج، ووفق تأكيد باحثين كثيرين، تُستدعَى فى الخطاب الإسرائيلى المعاصر، وزاد توظيفها بقوة بعد أحداث السابع من أكتوبر ٢٠٢٣ للتوسع والتمدد وتأسيس كيان وهمى، دون سند قانونى أو شرعية سياسية .
الكيان الوهمى الذى تحاول حكومة بنيامين نتنياهو المتطرفة، تدشينه، وفق الأسطورة التاريخية التلمودية، إسرائيل الكبرى من البحر إلى النهر، تمس منطقة عصب الأمن القومى المصرى المتمثل فى سيناء، «ذراع مصر» الشرقية، ودرعها، وعمقها، ومختبر صلابتها، وممرها الوحيد نحو الشرق منذ العصور التاريخية .
وهنا لزم التأكيد التاريخى والدينى، بأن سيناء مصرية، وستظل مصرية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فمن الناحية التاريخية، فإن مئات النقوش المسجلة منذ آلاف السنين على كل الشواهد والوثائق التاريخية، فى كل أنحاء مصر، بشكل عام، ومعبد الكرنك على وجه الخصوص، تسرد أهمية سيناء المصرية، وأنها البوابة الشرقية، وممرها العسكرى الرئيسى للإمبراطورية المصرية، لذلك حَصنها المصرى القديم بحصون عسكرية قوية ممتدة من «تل حبوة» إلى «قلعة ثارو» حتى شرق القناة الحالية .
وتشكل قلعة «ثارو» الحصينة، تحديدا، منظومة دفاعية مركزية كبرى فى مصر القديمة، ومن خلالها أمكن التعرف على قلاع طريق حورس الحربى القديم بين مصر وفلسطين من القنطرة شرق وحتى رفح المصرية؛ وهو ما يفسر استراتيجية الدفاع المصرية عن سيناء عبر العصور القديمة، وتوضيح صدق المصرى القديم بخصوص النقوش العسكرية التى تحاكى الواقع الحالى، وتكشف بوضوح أن سيناء ليست حدودا للدولة المصرية، وإنما تمثل قلب بنية الدفاع المصرية منذ أن خلق الله هذا الوطن .
وأن طريق حورس الحربى، يضم نقاطا ودوريات دائمة ومخازن تموين عسكري، وأن هذا الوجود العسكرى القوى للجيش المصرى فى سيناء يعود لآلاف السنين، ما يؤكد أن مصر تضفى شرعيتها على أراضيها، قانونيا وتاريخيا، وحقها الأصيل فى تأمين أراضيها بالكيفية التى تراها .
أبرز نقوش معبد الكرنك عن سيناء، ما دوّنه الملك سيتى الأول، والتى توثق الحملات العسكرية فى سيناء، وانتصارات الجيش المصرى وتقدمه فى مواقع المدن والقبائل التى غزاها، بالإضافة إلى إظهار قوة الجيش المصرى وتأثيره ليس على المنطقة فحسب، ولكن فى العالم القديم، باعتباره جيش الإمبراطورية المصرية الأكبر والأقوى قديما.
أما نقوش الملك تحتمس الثالث، فتسرد احتفالات الملك بانتصاراته العسكرية المدوية فى سيناء، وقهر كل الأعداء، والحصول على مغانمهم الكبيرة.
وتتفق الدراسات الأثرية المهمة والموثقة التى أجراها باحثون وعلماء سواء فى التاريخ والآثار، أو فى علم اللاهوت، من عينة، جيمس هوفماير، صاحب كتاب رحلة بنى إسرائيل فى برية سيناء، مع الحقائق التاريخية والجغرافية الثابتة وأن سيناء مصرية وامتداد عضوى طبيعى للدلتا، لا يمكن الفصل بينهما، ويربط روايات الخروج ورحلة البرية التى خاضها العبرانيون الأوائل مع أحدث الاكتشافات العلمية، والحقائق المتعلقة بالجغرافيا والطرق، والوضع القديم للدلتا وسيناء.
أما الناحية الدينية فمرور بنى إسرائيل من سيناء يؤكد مصريتها، وإنها جزء جوهرى من الكيان المصرى، وبوابته الحارسة وليست «أرض عبور حرة» كما يحاول الذين حرفوا الكلم عن موضعه، أن يزيفوا الحقائق التاريخية والقانونية !
الأحداث الدينية والروايات التاريخية، جعلت من سيناء محط أنظار الجميع، ومطمع دائم للكيان الإسرائيلي، والتى تعمل ليل نهار ودون كلل أو ملل على محاولات توظيف سيناء عمليا واستراتيجيا لمصلحتها الأمنية والسياسية منذ منتصف القرن العشرين، وخاضت حروبا، من أجل تحقيق هذا الهدف .
سردية «الخروج» توظفها إسرائيل لمصلحتها وتضعها البناء الفكرى والهدف الاستراتيجى فى كل الخطابات الصهيونية لتعزيز شرعية وطنية زائفة، واللعب على العاطفة الدينية لليهود .