تدوينات حرة : عندنا هنا على مواقع التباعد الإجتماعي اللطيفة غريزة إننا نِعًلم على بعض مش نُعلم بعض أو نتعلم من بعض أو مع بعض ..
Azza Elazazy
عندما أتصفح الفيسبوك أو تويتر أقابل الكثير و الكثير من الموضوعات و التدوينات التي تأخذني و يأخذني سلاسة أسلوب كاتبها أو مدونها و تشعر و أنت تقرأ أنك نفسك تقول الكلام اللي بيقوله فقررت أن أخصص في موقعنا شعب مصر باباً للتدوينات الحرة لكل من يُحب أن يكتب في موضوع يُفيد المصريين أو يُنعش ذاكرتهم أو يُحيي ذكريات الماضي الجميلة أو يُعطيهم نصيحة مفيدة .الفيسبوك .
منذ أيام حكيت ماتعرضت له و قادني إلى مستشفى الأنجلو لإجراء قسطرة عاجلة في القلب .. و حكيت أن اليوم كله كوم و ما جرى في غرفة عمليات القسطرة كان كوم تاني سأحكي عنه في بوست منفصل .. و هذا هو البوست المنفصل
في ناس ممكن تشوف إن أسخف بشر هم من يصورون أنفسهم في غرف العمليات أو الكشف مع صورة الكانويلا الشهيرة و البعض يرى أن هذة أمور شخصية للغاية أو انت في إيه ولا إيه ؟! .. انت رايح تتعالج ولا رايح تتصور ؟! .. و بلا شو فارغ بقى و انت عايز إيه يعني من صورة زي دي ؟! .. و ما إلى ذلك .. لمدة طويلة كنت أرى بعض الوجاهة في هذا الكلام .. و لأسباب عديدة ظاهرة .. و لكن اكتشفت سبب واحد باطن ماحدش بيقوله .. إن عندنا هنا على مواقع التباعد الإجتماعي اللطيفة غريزة إننا نعلم على بعض مش نعلم بعض أو نتعلم من بعض أو مع بعض .. يعني أنا جاهز لإنتقاد فعلك دون تفهم دوافعك أو إني أحاول أعرفها أصلاً .. جاهز إني أطلعك غلطان لأن ده بيشبع غريزة ما من بداية الخليقة عنوانها ” أنا خير منه ” بس النكتة إن الجملة كانت على لسان إبليس في مواجهة أول البشر .. بعد كده تبناها البشر في مواجهة بعض !
مع الوقت أدركت إن في لحظات خاصة في حياة الإنسان بتكون نادرة و صعبة و حسب دوافعه هو و حسب طبيعة شخصيته ممكن يكون حرصه على توثيقها مناسب أكثر لشخصيته لأنه عند اللحظة دي فكر بشكل مختلف أو شاف ومضه يحب يحكي عنها .. و أنا شخص حياتي هي التوثيق و حتى أن أجمل ما قدمت و أقدم سلسلة ” أرواح في المدينة ” هي سلسلة توثيقية لتاريخ المصريين و لكن في صيغة عروض حية مباشرة للجمهور مش في صيغة فيلم وثائقي يجري تصوريه و مونتاچه ثم يتم عرضه .. لذلك وثقت كل ما جرى في يومي الغريب و المؤلم و النادر في حياتي .. و مهتم بنشره .. يمكن نتعلم مع بعض بدل ما نعلم على بعض
أصعب ٣٠ دقيقة في حياتي كلها
.. كان هذا اليوم الصعب في المستشفى كله كوم و ال٣٠ دقيقة دول كوم تاني
.. بعد مفاجأة ضرورة إجراء القسطرة الاستكشافية للقلب فوراً بعد رسم القلب و الفحوص المبدئية شعرت بفضول ما فالتجربة جديدة .. كاميرا تدخل من شق صغير يفتحه الطبيب في جسمك و تتجول تلك الكاميرا في شريانك حتى تصل إلى قلبك فتراه .. حد فيكم شاف قلبه من جوه لايف قبل كده ؟!
لولا الخوف من الجلطة أو مشكلة في الشريان التاجي لما لجأت للقسطرة .. و لكنه الوهم و الخوف من سناريوهات ذلك الوهم الذي يسيطر على العقل فيلجأ إلى أسوأ الفروض .. و في تراثنا سوء الظن من حسن الفِطن
.. في ساعة سوء الظن تلك كان قرار القسطرة .. يا ترى هانلاقي إيه في قلبك يا محمود ؟! .. بداية جلطة مثلاً ؟! .. ضيق في الشريان ؟! .. طيب هانحتاج دعامة ؟! .. الدكتور كان حريص يحكي عن الدعامة و عن سعرها قبل ما ” يفتح ” علشان نكون على نور
.. في لحظة طلبوا مني التخلي عن كل متعلقاتي لتكون بحوزة شقيقي .. ايه ده هو مش داخل معايا ؟! .. لا حضرتك دي غرفة عمليات ماينفعش .. لأول مرة انتبه بعد ارتداء ” الجاون ” ليستر جسدي اثناء العملية أنها ” عملية ” .. طيب فين البنج ؟ كان الرد ” مافيش بنج لأن البنج هايخليك تقعد معانا يومين و إفاقة بقى و عطلة ليك .. احنا هانعملها كده من غير بنج و مش هاتحس غير بألم خفيف ممكن تحمله .. لم يرد في عقلي سوى تصديق الرجل الذي سيكون رفيقي بعد دقائق في رحلة البحث عن الحقيقة داخل قلبي – حلوة العبارة دي تنفع عنوان مقال – ماهي القسطرة كده .. عين الكترونية بتدخل جوه الجسم تستكشف ما فيه لقطع الشك باليقين .. لمعرفة الحقيقة في مكان ما في وقت ما .. و بناء على تلك الحقيقة سيكون التصرف السليم
فوجئت و هذا لجهل مني بالأمر أن هناك طريقة ما لتقييد اليدين بشكل يمنع الحركة استخدمت معي دون إبلاغي بها مسبقاً .. فجأة أنا ” مقيد الحركة ” على سرير العمليات .. و جهاز ما فوقي تنزل منه ما يشبه بلاطة سيراميك كبيرة يقترب من وجهي على بعد سنتيمترات من عيني و أنفي و شعرت بالإختناق فوراً لمجرد هذا الوضع .. حاول الطبيب و حاولت الممرضات تهدئتي و إطلاق بعض النكات و بعض الدعابات و لكنها لم تفلح معي .. عقلي لا يقبل المفاجأة عموماً و يضيق بالأمر الواقع و أن أقبل ما يفرضه علي هذا الأمر الواقع حتى و لو في مصلحة صحتي .. هذا الوضع لا يعجبني لا القيد و لا ذلك الشيء الذي يشبه بلاطه كبيرة و القريب من وجهي و كأنها تجربة دخول تابوت .. بدأ الإنزعاج و لكن ادعيت التماسك .. بدأ الطبيب في عمل فتحة صغيرة في معصمي اليمين .. من هنا ستبدأ القسطرة رحلتها داخل الشريان حتى القلب .. سألته ليه مش من الفخذ كما أسمع دائماً فرد بأنها ستأخذ وقت أطول و من الأفضل سلوك هذا الطريق المختصر من المعصم حتى القلب .. مش فاهم الراجل ده مستعجل كده ليه ؟!
المهم بدأ سن الآلة الحادة في اختراق الجلد فوق المنطقة المطلوبة .. صرخت من الألم و تحاملت رغم وجود بنج موضعي على الجلد لكن الأم كان كبيراً .. دقيقة و بدأ الطبيب في إدخال القسطرة في القناة التي اصطنعها ليتسلل إلى قلبي .. و هنا كانت لحظة الألم الكُبرى .. عارف و انت واقف في محطة مترو السادات و منتظر قطار الأنفاق ؟! .. بيكون جاي من بعيد مع صوت واضح لحركة العجلات على القضبان .. تأثير العجلات على القضبان هذا ما شعرت به بينما تمر القسطرة داخل الوريد في أول عشرة سنتي تقربباً .. وجع رهيب .. عارف المبرد و هو بيبرد ماسورة حديد .. نفس التأثير و الذي يشبه مرور تيار كهربائي في أوصالك .. ألم رهيب بينما يدفع الطبيب بالقسطرة بسرعة ليصل إلى القلب .. هنا ضاعت ثقتي في طبيبي الذي أخبرني أن الألم بسيط و ممكن تحمله .. و حين تضيع الثقة في من يقود ” العملية ” يبدأ الهلع ..
فجأة شعرت بالقسطرة نواحي كتفي كده و لكن بدون الألم الفظيع في وريدي .. بصيت على الدكتور لاقيته عمال يزق في القسطرة زي ما بنستخدم سلك تسليك المواسير في البيت كده .. و بينما تعالت صرخات الألم مني كان يحذرني بلطف من نتيجة عدم تحملي ” كده مش هانعرف ندخل القلب و نصور الشريان ” .. شعرت بدبدبة بسيطة في ناحية القلب حينما وصلت القسطرة و بينما أصرخ و أردد بهمس ” يا لطيف يا لطيف ” كانت قسمات وجه الطبيب تظهر الإنزعاج فكلما دخلت القسطرة تحرك القلب في نبضه المعتاد ليدفع بالقسطرة خارجه فيحاول الطبيب مرة أخرى متهماً إياي بإفشال عمله لأن عدم الثبات يجعله غير قادر على تصوير الشريان .. هنا كتمت صراخي و دموعي التي نزلت للأسف و في عقلي سؤال واحد .. انا هنا بعمل إيه ؟! .. إيه جابني هنا ؟! .. كل ده علشان أعرف حقيقة ما في قلبي .. يا أخي ملعون أبو دي حقيقة .. كم هو جميل الجهل بالحقيقة .. الجهل بالحقيقة مريح و لا يتطلب كل هذا الألم !!
بدأ الطبيب في تحريك القسطرة التي كانت كالمبرد في ذراعي و أنا صامت أتحمل الألم بكل ما أوتيت من جَلَد .. و لكن فجأة لم أتحمل فطلبت منه إنهاء الأمر فوراً و إخراج القسطرة من جسمي و مش عايز الموضوع ده كله
صرخ الطبيب : بعد إيه خلاص بقينا جوه .. فرديت عليه بحسم : و انا بقول لك اطلع بره
رد الطبيب : لا لا انت خواف كده ليه .. طيب أنا هاغير القسطرة لنوع تاني يمكن مايسببش الألم بس دي تكلفة عليك ..
صرخت : مافيش حاجة اسمها تكلفة قصاد الألم .. غيرها لو سمحت
سحب الطبيب القسطرة من جسدي من فتحة المعصم بحركة مفاجئة فشعرت بها و هي تتحرك من قلبي لتعود إلى كتفي ثم تخرج من فتحة المعصم مع كل هذا الألم الذي يجعلك تتخيل أن الثانية ساعة و أن الدقيقة سنة .. تم إخراج القسطرة فنظرت بعيني لشكلها و هي خارجة من المعصم و هي ” سايحة ” في دمي .. و جوانتي الطبيب سايح في دمي كذلك .. وجدت عقلي الذي لا يمكن تصور تصرفاته في هكذا أحوال يدندن في أذني ” الدم ده دمي و الكلمة دي ليا ” .. صرخت رداً على عقلي ” ده وقته ؟! .. بذمتك ده وقته ؟! “
بدأت الممرضة في إعداد القسطرة الأخرى بعد تدوين تكلفتها الإضافية طبعاً مع أنبولات الصبغة الإضافية طبعاً و ما إلى ذلك .. و كله بثمنه طبعاً ما دمت بتتوجع و عايز ألم أقل إدفع بقى
.. بدأ الطبيب في استخدام القسطرة الجديدة و كان الألم أقل من تجربتي مع أختها السابقة و مرت بنفس الرحلة من المعصم للكتف لقلبي مباشرة و لكن بألم أقل .. و رغم أن القسطرة الأولى دخلت قلبي قبلها .. لكن القسطرة الثانية الحنون ” دخلت قلبي فعلاً
.. و مع الألم الأقل كانت حركتي أقل و بالتالي استطاع الطبيب التوصل إلى الشريان و لكن كلما اقتربت كاميرا القسطرة دفعها الشريان للخارج .. توسل الطبيب لي أن أكتم نفسي و أثبت حتى يستطيع التصوير بكفاءة .. حاولت أكثر من مرة و في كل مرة نفشل .. نظرت لهم فوجت الطبيب و فريق التمريض ينظرون لي بضجر جماعي و في عيونهم ” ده انت مريض متعب يا أخي .. خلينا نخلص “
حاولت التحامل و لا أردد سوى ” يا لطيف يا لطيف ” و مرت لحظة صمت و هدوء و ترقب قبل أن يقول الطبيب و لكن بآداء معلقي مباريات كرة القدم ” أيوا .. أيوا .. بنقرب كده .. نثبت شوية كمان .. و .. أيواااااااااا .. بالظبط كده .. قفشناه خلاص .. صورنا الشريان الحمد لله .. مبروك يا بطل مافيهوش حاجة الشريان ولا في جلطات و زي الفل .. دي فيها جوازة تانية دي .. ألف مبروك ”
.. نظرت للطبيب بدهشة و قلت : ممكن تفكني ؟!
ضحك الطبيب و هو يخرج القسطرة بسرعة من الوريد و ضحكت و أنا أراها تخرج سايحة في دمي هي الاخرى .. و ضحكت بينما تختنق دموعي في عيوني لإني عرفت لأول مرة أن هذا آخر ألم في هذة التجربة الصعبة .. ربما كان الهلع و كان الصراخ قبل ذلك لا من الألم نفسه و لكن من المجهول فأنا لا أعرف متى سينتهي هذا الألم أو متى سيفرغ الطبيب مما يفعل .. في لحظة عدم المعرفة تلك يتخيل الإنسان أن الألم مستمر و يجد الدقيقة دهر طويل و ينسى إن كل ضيقة بعدها وسعة على رأي عمنا سيد حجاب ..
و لكن ألم القسطرة كالمبرد في الوريد لم يكن آخر ألم فإخراج القناة المصطنعة المغروسة في وريدي تطلب ألم مشابه لألم إدخالها .. و لكن هذا أيضاً تحملته بابتسامه لأدراكي أنه الأخير .. الإنسان بيتحمل لما يكون فاهم و عارف آخر الهم إيه و فين .. مش بيتحمل أبداً و هو متاخد على مشمه و مش فاهم حاجة !
.. نقلوني على سرير تحت الملاحظة ست ساعات و ألصقوا مجسات في صدري و أصابعي و بدأت الأجهزة في الصفير و الطنين و كل شوية أشوف دكتور يشوف الضغط و أكسچين الدم مع ربط مكان الجرح بعناية و بقوة ضاغطة هائلة تمنع حدوث نزيف لا قدر الله .. و بينما أنا على سريري هذا وجدت صوت تليفزيون مفتوح في الخارج يتسلل إلى حيث أرقد .. كان يذيع فيلم ” أميرة حبي أنا ” الذي استلهم فيه مخرجه حسن الإمام موسيقى سيد درويش كموسيقى تصويرية و كانت موسيقى الجملة اللحنية البديعة ” والله تستاهل يا قلبي .. ليه تميل ما كنت خالي ؟ “
فوجدني الممرض أدندن مع الموسيقى بصوت مسموع ” انت أسباب كل كربي .. و أنت أسباب ما جرالي .. والله .. تستاهل يا قلبي ” .. فابتسم و ابتسمت