عندما أتصفح الفيسبوك أو تويتر أقابل الكثير و الكثير من الموضوعات و التدوينات التي تأخذني و يأخذني سلاسة أسلوب كاتبها أو مدونها و تشعر و أنت تقرأ أنك نفسك تقول الكلام اللي بيقوله فقررت أن أخصص في موقعنا شعب مصر باباً للتدوينات الحرة لكل من يُحب أن يكتب في موضوع يُفيد المصريين أو يُنعش ذاكرتهم أو يُحيي ذكريات الماضي الجميلة أو يُعطيهم نصيحة مفيدة .الفيسبوك .
“بِنْشْتَرِي كيلو الزيت بسبعة وعشرين جنيه..زيت السمك.. زيت الفراخ.. زيت الطعام”.. لم يعد هذا النداء مجرد وسيلة لكسب الرزق، بل تحول إلى إعلان صارخ عن جريمة منظمة تُرتكب في وضح النهار، تستهدف أمعاء المواطنين وقلوبهم، مستغلةً حاجتهم وضيق أحوالهم المعيشية.
لقد تجاوز الأمر كونه غشاً تجارياً عادياً إلى شبكة إجرامية تتعامل مع صحة المستهلك كسلعة قابلة للتصفية.
وراء هذا النداء البرئ في شكله،والمُريب في مضمونه، تقف عصابات منظمة للغش التجاري، تفتخر بعملها الإجرامي بلا حياء.
العملية بسيطة في مظهرها، خطيرة في جوهرها : يشترون الزيت المستعمل الذي استنفد قيمته الغذائية وتعرض للتسخين مرات عديدة في المطاعم والمنازل، ليقوموا بعملية “ترويق” وغسيل كيميائي، قبل أن يعبئوه في زجاجات جديدة لامعة، ربما تحمل علامات تجارية لشركات كبيرة مزيفة، هدفها الوحيد هو جني الأرباح السريعة على حساب صحة وأرواح المواطنين .
وليس هذا هو الخطر الوحيد، بل يمتد إلى اللبس المفاهيمي الخطير الذي يروج له الجهلاء، حيث يطلقون على هذه العملية اسم “الزيت المهدرج”.
والحقيقة العلمية المؤكدة أن الهدرجة عملية كيميائية 完全不同 ، يتم فيها إمرار غاز الهيدروجين على الزيت النباتي لتحويله إلى سمن صناعي (مثل السمن البلدى الصناعي)، وهي مادة ضارة بالقلب والأوعية الدموية لاحتوائها على الدهون المتحولة.
ولكي لا تبقى الأمور نظرية، فقد شاهدت بالصدفة في أحد المطاعم ما يدعم هذه الكارثة.
رأيت الطاهي يضيف مادة بيضاء تشبه “البطاطس المهروسة” إلى المقلاة.
فضولي قادني لأسأل وأتحرى، فاكتشفت أنها شحوم وزيت مهدرج حقيقي يتم إضافته للقلي لأنه رخيص ويدوم طويلاً !
فضولي قادني لأسأل وأتحرى، فاكتشفت أنها شحوم وزيت مهدرج حقيقي يتم إضافته للقلي لأنه رخيص ويدوم طويلاً! إنها جريمة مزدوجة: جريمة بيع الزيت المستعمل، وجريمة استخدام الزيت المهدرج الضار في طعامنا.
عودة إلى مكبرات الصوت التي تجوب شوارعنا،فإن هذه الظاهرة ليست منفصلة عن التحول الكبير الذي تشهده نغمة حياتنا اليومية.
لقد بدأ الأمر مع بائعي “الروبابيكيا” وأصحاب النداء الشهير “أي حاجة قديمة بنشتريها”، كظاهرة تدوير للمنتجات وإعادة استخدامها.
لكنها انحرفت عن مسارها لتصبح تجارة في المواد المغشوشة والضارة.
وانتقلت العدوى إلى وسائل أخرى، فها هي سيارات “التمناية” تتنافس بعروضها “الراقية” بصوت يهز المباني : “اللمبة بعشرة جنيه بس!”. وليس بعيداً عنها، سائقي “التوكتوك” الذين حوّلوا مركباتهم إلى منصات إعلانية متنقلة بأنظمة صوت عملاقة، وكأن المجتمع بأسره قد تحول قسراً إلى جمهور متفرج – أو بالأحرى مستمع – لعروضهم الصوتية غير المرغوب فيها.
كان الأجدر بهم، بدلاً من إزعاج الجميع، استخدام سماعات “الهيدفون” ليستمتعوا بموسيقاهم في خصوصية، دون انتهاك حرمة المساحات العامة وحرمان الناس من حقهم في الهدوء.
ما يحدث اليوم هو اختراق متعمد لخطوط دفاعنا الأخيرة :طعامنا. إنها حرب على المواطن البسيط الذي يبحث عن لقمة عيش شريفة، ليجد نفسه أمام تشكيلات عصبية تأكل “لقمة عيش مغموسة بلحوم البشر”، التي يأكلها السرطان والأمراض المزمنة.
مواجهة هذه الظاهرة لا تقتصر على الرقابة الصحية والتجارية وحدها، رغم أهميتها القصوى، بل تحتاج إلى صحوة ضمير جماعية، وإلى تضافر جهود المجتمع المدني والإعلام لتوعية المواطن بخطر هذه المنتجات.
كما تحتاج إلى تشريعات رادعة تتعامل مع المتورطين في هذه الجرائم ليس كغشاشين فحسب، بل كمجرمين يعبثون بأمن البلاد الصحي.
فصحة الشعوب هي رأس مالها الحقيقي، وإهدارها ليس جريمة تجارية، بل هو خيانة للوطن وأهله.