فى بعض التوجيهات والقرارات التى يتخذها الرئيس عبدالفتّاح السيسى، يستشعر المواطن البسيط أن الرئيس يضع أذنيه على نبض الناس، فيسمع مطالبهم، ويتقصى حقيقة مخاوفهم، فيترجمها سريعا لتوجيهات وقرارات حل وتصويب أخطاء بكل أمانة وصدق، وأمس الأول، فاجأ الرئيس الجميع بمطالبته الهيئة الوطنية للانتخابات بألا تتهاون أمام أى شكاوى، ولا تمنح حصانة لأى خطأ، ولا تعلن نتيجة مخالفة لإرادة المصريين.
وعلى الفور، كان صدى توجيه الرئيس قويا وحاسما، دوى فى غرف وأروقة مقر الهيئة الوطنية للانتخابات، وتفحصت كل الشكاوى ورصدت كل المخالفات بدقة، وكانت النتيجة بكل شفافية مطلقة، إلغاء نتيجة الانتخابات فى 19 دائرة انتخابية، وهو رقم كبير لم يتوقعه أكثر المتفائلين.
رسالة الرئيس قوية ومعبرة وكاشفة عن أن الرئيس يتابع بكل دقة، ويتعاطى سريعا مع رغبة المواطنين، ويظهر ذلك عندما قال: «وصلتنى الأحداث التى وقعت فى بعض الدوائر الانتخابية التى جرت فيها منافسة بين المرشحين الفرديين، وهذه الأحداث تخضع فى فحصها والفصل فيها للهيئة الوطنية للانتخابات دون غيرها، وهى هيئة مستقلة فى أعمالها، وفقا لقانون إنشائها».
كلمة الرئيس عبدالفتاح السيسى، التى وجهها للشعب عبر حسابات الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعى، جاءت فى توقيت رائع، منحازة للحق والعدل، ومطالب الناس فى لحظة فارقة من مسار الانتخابات البرلمانية، لتضع خريطة طريق واضحة وصريحة نصها «لا تهاون أمام أى شكاوى، ولا حصانة لأى خطأ، ولا نتيجة تعلو فوق إرادة المصريين».
كلمة الرئيس وضعت الهيئة الوطنية للانتخابات أمام مسؤولياتها، وكونها هيئة مستلقة بحصانة القانون، والوحيدة المنوطة بالفحص والتدقيق الكامل فى كل ما حدث، وفحص الطعون بدقة، وإعلاء رضا الله سبحانه وتعالى فوق أى اعتبار بشرى أو مواءمة سياسية. إنها دعوة مباشرة إلى الشفافية الكاملة واحترام كامل لإرادة الناخبين.
الهيئة الوطنية تدثرت بعباءة الحق والعدل وترسيخ مبدأ القانون، وأعلت من فضيلة أنه إذا استحال الوصول إلى الحقيقة الكاملة، فيتوجب عليها الإلغاء الكامل أو الجزئى للنتيجة، كحل حاسم وقوى، وقد كان عندما أبطلت النتائج فى 19 دائرة، وقررت إعادة الانتخابات فيها من جديد، فى سابقة سياسية تعزز مبدأ عظيم الأثر، وهو أن النتائج ليست غاية فى ذاتها بقدر أن العدالة هى الغاية المطلقة، ولا حصانة لأحد، وأن الدولة المصرية لن تسمح بإرادة مشوهة، ولا بقرار غير قائم على الحقيقة.
وبشىء من العمق فى تحليل كلمة الرئيس، وما تحمله بين السطور، فإنها كاشفة لفلسفة الحكم فى مصر الجديدة، القائمة على أن الرئيس يضع أذنه على نبض الناس، ويضع مطالبهم فى مقدمة الأولويات، والتأكيد على أنه لن يحصل مرشح على مقعد تحت قبة البرلمان إلا بإرادة شعبية، ولا شرعية تُنتزع خارج الصندوق، ولا تمثيل سياسى يقوم على مخالفات وتلاعب تؤثر على العملية الانتخابية برمتها.
الأمانة تقتضى أن نؤكد على ما تضمنته كلمات الرئيس، وما تحمله من تدشين لقيم سياسية وأخلاقية شجاعة فى مواجهة الأخطاء، وقبول كامل بأن العدالة فوق الجميع، لذلك كان للكلمة صدى رائع ومبهج، فى الشارع قبل مقر وأروقة الهيئة الوطنية للانتخابات، معيدا بقوة ضبط البوصلة السياسية، وأن الانتخابات ليست سباقا للفوز فى حد ذاته، وإنما احترام إرادة الناس فيما تختار.
لذلك عندما جاء رد الهيئة الوطنية السريع بفحص الشكاوى والمخالفات بكل شفافية، قررت إلغاء نتائج الانتخابات فى 19 دائرة انتخابية، منها دوائر محافظة بالكامل مثل دوائر محافظة قنا، ودشنت فضيلة أن الهيئة الوطنية هدفها انتخاب برلمان لا يشوبه شك، وإثبات أن القانون والعدالة فوق رؤوس الجميع، ولن تغض الطرف عن أى مخالفة.