لم يعد هناك مغانم حقيقية تغرى المتصارعون فى غزة والقطاع للحصول عليها. إن التنازع والتناحر يصب فى مصلحة العدو، وهى بديهيات وحقائق يعلمها القاصى والدانى، والإنسان البسيط قبل المثقف الخبير والمحلل الاستراتيجى، وتوحيد الصف والتلاحم بين جميع الفصائل لاختيار الضرورة ولا مناص منها، لهدف أسمى وهو توحيد شكل ومضمون الكفاح والنضال ضد العدو، والعكس صحيح، فالتشرذم والتناحر أضاع أراضى وحقوق الشعب الفلسطينى.
التشرذم، كان نتيجته تقسيم المقسم، فصارت غزة كيانا مستقلا تحكمه حركة حماس، واتخذت من القضية الفلسطينية حقا حصريا، ودون تنسيق مع أى من الكيانات الفلسطينية الأخرى، اللهم إلا حركة الجهاد الإسلامى، فى المقابل فإن الضفة الغربية تقع تحت إدارة منظمة التحرير الفلسطينية، المنظمة الأم والشرعية المعترف بها، ولها شكل إدارى منظم وواضح.
هذا الصراع أضعف القضية الفلسطينية، وسبب جوهرى فى التهام الكيان المحتل لمعظم الأراضى، بجانب ارتكاب جرائم القتل والتهجير ثم كانت الفرصة الذهبية لإسرائيل، عندما قررت حماس تنفيذ عملية 7 أكتوبر، تحت اسم «طوفان الأقصى» دون تنسيق مع أحد، لا المكونات الفلسطينية ولا الجيران الذين يعتبرون ظهيرا داعما، فغرقت غزة فى «الطوفان» ورفعت للكيان منسوب الشر فى الانتقام وتنفيذ مشروعهم الوهمى المتمثل فى الوعد الإلهى بتأسيس إسرائيل الكبرى من النهر للبحر، وفق كتابهم الموضوع «التلمود».
وبعد مقتلة يقف أمامها التاريخ بكثير من الألم والحسرة، مدشنا مصطلح «انتهاء الإنسانية» وانقراض «الضمير» من صدور قيادات بعض القوى الكبرى المتحكمة فى مصير العباد، كانت مصر حاضرة وبقوة فى منع تصفية القضية، وتهجير الغزاويين، وإنقاذ الآلاف من الأبرياء، وتكلل مسعاها بالنجاح فى شرم الشيخ بعقد اتفاقية وقف إطلاق النار، وسط حضور 20 زعيما يتقدمهم الرئيس عبدالفتاح السيسى، ودونالد ترامب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، وهو الحدث الأهم والأبرز.
هذا النجاح المبهر، اصطدم بتصرفات حركتى حماس والجهاد، وتفتقد الكياسة السياسية وحتى الحنكة الحياتية، وقدما هدية مجانية تساعد على زيادة تشويه صورتهما كحركات مقاومة للاحتلال، وتؤكد ما تدعيه إسرائيل بأنها حركة إرهابية، فقد انتشرت فيديوهات تظهر مقاتلى الحركتين ينفذون الإعدام رميا بالرصاص ميدانيا على شباب فلسطينيين بتهم الخيانة والتعاون مع «الجيش الإسرائيلى»، وهى الفيديوهات التى تلقفتها الآلة الإعلامية الإسرائيلية الجرارة لنشرها وبثها على نطاق واسع، سواء فى الأبواق الإعلامية أو السوشيال ميديا، مصحوبة بتعليقات مؤلمة من عينة أن هذا الانتقام ضد الإنسانية.
وبدلا من أن تنتهز حماس ورفقاؤها الفرصة لالتقاط الأنفاس وإعادة ترتيب الأوراق، وتقديم كل ما يثبت أنها ملتزمة بقرار وقف إطلاق النار، حماية لشعبها وحرصا على أرواحه، للسعى نحو تحسين صورتها بكل قوة بعد تشوهها، عادت لتعمق هذه الصورة بإعدام الشباب الفلسطينيين ميدانيا دون أى محاكمة.
حماس- وللأسف- لم تتصرف أو تعيد تقديم نفسها فى صورة تنظيم سياسى ينتهج فكرة النضال لتحرير بلاده، والقادر على التعامل بشكل منضبط فى قطاع غزة، وتتحرك بسرعة لحماية شعبها، والاعتذار لهم، لا أن تقدم نفسها كميليشيا مسلحة فوق القانون تتصرف مثل العصابات، فتزداد الفرقة الداخلية، وتستثمر فيها إسرائيل وتوظفها لمصلحتها.
مصر كدولة شريفة مخلصة وأمينة فى مواقفها الحريصة على قضايا أمتها على نفس درجة حرصها على قضايا شعبها، بذلت جهودا مضنية لوقف المقتلة، وإعادة تصحيح صورة الكيانات الفلسطينية، وطالبت بضرورة التوحد ونبذ الفرقة والتشرذم، لمواجهة عدو ليس له علاقة بالإنسانية سوى اسمها فقط، ويلقى دعما من أكبر القوى على سطح الأرض.
نصيحة مخلصة لحماس ورفاقها.. أن تحتضن شعبها وتعالج جراحه وآلامه، وترمم بيوته، وتبعث له برسائل الأمل والأمن والاستقرار، ولا تجعل منه درعا بشريا، ولا تبحث عن مغانم فوق أطلال الخراب.