ربما يرى البعض أن مصر وهى تنتقل من حالة الفوضى، والمخططات الجهنمية الرامية لتفكيكها، إلى مرحلة الاستقرار والانطلاقة التنموية الشاملة فى إطار مشروع وطنى حقيقى، وإصرار لاستكماله، لأول مرة فى تاريخ البلاد، لا تحتاج لشهادة من هنا، أو إشادة من هناك، تثبت هذه الحقيقة، إلا أنه مطلوب الاعتراف الدولى بأهمية مصر ودورها وقدرتها وجدارتها فى التأثير عمليا، كونها تمتلك مدرسة دبلوماسية رصينة هادئة، صادقة، شريفة، واضحة، أمينة، قادرة على الإمساك بخيوط التفاوض، متكئة على تاريخ عميق لترسيخ السلام والأمن والاستقرار، وهو اعتراف أصاب كبد الحقيقة.
مؤتمر شرم الشيخ، لتوقيع اتفاقية وقف حرب الإبادة فى غزة، لم يكن مؤتمرا بروتوكوليا، يتضمن حضور ٢٠ زعيما، والإعلان عن إيقاف الحرب البربرية التى نالت من الحرث والنسل، وإنما كشف عن وجه دولة كبيرة، تتكئ على تاريخ ملتصق بوجود الكون، يعبر بالأدلة والوثائق، أن شعبها توصل لفجر الضمير، بالانتقال من الإنسان الهمجى، إلى صاحب ضمير وقيم ومثل عظيمة، قبل هبوط الأديان السماوية بما يزيد على ٢٠٠٠ عام.
كما دونت الوثائق، أن مصر دولة، خُلقت لنثر الأمن والأمان ودعم الاستقرار، فى مواجهة قوى الشر الباحثة عن الفوضى والدمار، لذلك وقعت أول معاهدة سلام فى التاريخ، المعروفة باتفاقية «قادش» عندما وقع الملك رمسيس الثانى من الأسرة التاسعة عشرة، مع نظيره ملك الحيثيين؛ وتكتسب تلك الاتفاقية أهمية كبرى، أنها وقعت رغم انتصار جيش مصر الذى قاده الملك بنفسه، ورغم الانتصار، استجابت مصر لمبادرة السلام، التى نادى بها مواتالى الثانى ملك الحيثيين، وهو نفس ما حدث مع فروق طفيفة، فى التاريخ المعاصر، عندنا وقعت مصر اتفاقية السلام مع الكيان الإسرائيلى ١٩٧٩ رغم انتصار الجيش المصرى على الجيش الذى كان يترنم دوما بأنه الجيش الذى لا يُهزم، فكانت هزيمته الوحيدة على يد «خير أجناد الأرض» وفق ما وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم.
مؤتمر شرم الشيخ أظهر قوة مصر العسكرية، وأنها بلد الأمن والأمان، وفق ما جاء فى كل الكتب المقدسة، خاصة القرآن الكريم، بجانب اعتراف رئيس أكبر قوة على سطح الأرض، أمريكا، بأن مصر بلد آمنة، لديها أجهزة أمنية تمتلك أدواتها، وجيشا قويا؛ كما أظهر قوتها الناعمة فى احترافية التنظيم وروعة الاستقبال، ودقة التفاصيل، فهل رأيتم قدرة المقاتلات المصرية عند استقبالها لطائرة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، والذى أبهر كل فريق المساعدين له، وصوروها «فيديوهات» وبثوها على حساباتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعى، مبدين إعجابهم الشديد بقدرة الطيار المقاتل على التحكم بطائرته؟!
وبالعودة لسنوات مضت، وتحديدا إلى ٢٥ يناير ٢٠١١ رأينا كم المخططات لإسقاط مصر فى مستنقع الفوضى، عن طريق تفكيك الجيش وباقى أجهزتها الأمنية! وعندما فشلت الخطة، عادوا الكرة من جديد، بعد فض اعتصام رابعة الإرهابى المسلح، وحاولت دول وكيانات تنفيذ مخطط توريط الجيش فى حروب استنزاف مع كيانات إرهابية، عندما استقدموا منتخب العالم فى الإرهاب لسيناء، ولكن دائما جيش مصر وباقى الأجهزة الأمنية يكونون فى الميعاد، وعند حُسن ظن المصريين وثقتهم فيهم، واستطاعوا تطهير أرض الفيروز، من دنسهم، لتفصح عن وجهها الأخاذ، المتأطر بمسحة إيمانية لا مثيل لها فى هذا الكوكب، ولما لا، وقد تجلى المولى عز وجل، المرة الوحيدة، على أرضها، ووطأت أقدام نبى الله موسى، وسار على ثراها، الطفل يسوع، وغيرهما من الأنبياء.
حالة البناء المشهودة على كل شبر فى البلاد، والاستثمار الجوهرى فى الأمن، أتت ثمارها، والمصريون كانوا يعيشون فى رحابة الأمن والأمان والاستقرار، وسط بركان متفجر على كل المحاور الاستراتيجية، ما انعكس بدوره على سمعة مصر أمنيا فى العالم، وجاءت الشهادة على لسان رئيس أقوى دولة فى العالم، أمريكا.
تفاصيل قمة شرم الشيخ كثيرة وعميقة، أدهشت العالم، بدءا من وقف «مقتلة غزة» ومرورا بجدارة مصر الدبلوماسية، وحنكتها التفاوضية، وقوتها العسكرية الأمنية الحامية، بجانب قوّتها الناعمة والمتمثلة فى رجال، واجهة مشرفة لصاحبة أقدم حضارة على وجه الأرض، ما أثار إعجاب الجميع.