الكاتب الصحفي :دندراوي الهواري هناك لعبة، تُمارس فى الولايات المتحدة الأمريكية، يُطلق عليها لعبة الدجاج «Chicken Game» وقواعدها أن يُسرع سائقان نحو الهاوية، والرابح هو من يتوقف فى نقطة أقرب لحافة الهاوية، اللعبة تعتمد استراتيجية الخداع، لإخفاء المناورة والغش ونقاط القوة والضعف، وتعتبر اللعبة نوعا من أنواع المقامرة والمخاطرة، لذلك فإن الفائز يحصل على مكافأة كبيرة، لها وزن وقيمة.
واللاعب الذى يتمتع بمهارة، هو الذى يمتلك القدرة على الإلمام الكامل بمعرفة متى عليه أن يُخاطر، ومتى عليه أن يتراجع عند النقطة الفارقة ما بين النجاة والهبوط فى الهاوية!تبدو اللعبة غريبة، وهناك فيلم قديم يعود إنتاجه لعام ١٩٥٥يحمل عنوان، متمرد بلا هدف «Rebel Without a Cause» بطولة جيمس دين، وناتالى وود، وتدور أحداثه حول شخص متمرد دائما على كل شىء حتى وإن بدا غير منطقى، تأسيسا على ماضيه المضطرب بشدة، الفيلم ناقش هذه اللعبة فى مشهد يحمل اسمها، وتدور أحداثه حول زعيمين من زعماء العصابات يخوضان سباق سيارات مسروقة، ويتجهان نحو الحافة، لقياس قدرة من سيتجنب الخطر أولا.
هذه اللعبة بقواعدها، يمارسها الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، حاليا، لتحقيق أكبر مكاسب من الصفقات مع مختلف الأمم، لم يستثن أحدا، ولمَ لا، وهو الذى ألف كتابا منذ 38 سنة، وتحديدا فى عام 1987 بالتعاون مع الصحفى تونى شوارتز بعنوان «فن الصفقة» يجمع فيه بين السيرة الذاتية والدليل العملى حول التجارة والعقارات والتفاوض، كما كشف فيه طريقته فى الإدارة، عندما ذكر نصا: «إبرام الصفقات موهبة يولد بها الشخص أكثر من أى شىء آخر، إنها موجودة فى الجينات، لا أقول هذا من باب الأنانية، الإقناع لا يتعلق بالذكاء، بل يتطلب قدرا معينا من الذكاء».
الكتاب حصل على المركز الأول فى قائمة نيويورك تايمز لأكثر الكتب مبيعا فى ذلك العام، كما ظل لعدة أعوام بين قائمة الكتب الأكثر مبيعا، ويكشف الكتاب الكثير من الجوانب حول نظرة ترامب لفن التفاوض، مثل اعتقاده أن الصفقة الناجحة تعتمد على مهارات الإقناع، واختيار التوقيت السليم، والقدرة على التحكم فى الرأى العام.
لكن النقطة البارزة فى فلسفة دونالد ترامب، التفاوضية والتى كشف عنها فى كتابه، هى نظرية «التضخيم الصادق» القائمة على أن المزج بين المبالغة والتفاؤل يمكنه من خلق اهتمام بمشروعاته، فمن خلال هذه الفلسفة، يستطيع تشكيل تصورات إيجابية عن مشاريعه، وزيادة قيمتها، وتحقيق زخم يعزز النجاح.ترامب يضع عدة نصائح فى الكتاب، تبرز تركيبة شخصيته وفلسفته فى الحياة بشكل عام، منها، هدف الطموح لتحقيق أهداف كبرى، فهو يؤكد على أهمية التفكير الكبير ووضع أهداف عالية، ويرى أن النجاح يأتى من التطلع إلى مشاريع ضخمة، سواء فى العقارات أو غيرها من المجالات.
أما النصيحة الجديرة بالاهتمام والتى يطرحها ترامب فى كتابه، هى «استغلال الفرص» مؤكدا على أهمية استغلال الأوقات الصعبة، مثل فترات الركود الاقتصادي، من أجل اقتناص الأصول المتعثرة وإعادة إحيائها وتحقيق أرباح منها لاحقا، ويرى أن السوق غير المستقرة تقدم فرصا لا تتكرر!كما يرى فى «الإصرار والصمود» سمة جوهرية من سمات الشخصية، فهو شخص يطارد أهدافه حتى عند مواجهة العقبات، وكيف أنه يبحث دائما عن طرق بديلة للوصول إلى أهدافه، ما يعكس أنه شخص، يتمتع بإصرار كبير، مستخدما كل الأدوات منها الإعلام للترويج الذاتي، وتوظيفه لإثارة الاهتمام بمشروعاته، وتحقيق الأرباح.ويذهب دونالد ترامب، بأفكاره وعقيدته وسمات شخصيته لقناعاته الكبرى، وجوهرها «الرد بقوة» فالرجل يؤمن أن هناك أوقاتا يكون فيها الخيار الوحيد هو المواجهة، قائلا: عندما يعاملنى الناس بشكل سيئ أو غير عادل أو يحاولون استغلالى، فإن موقفى طوال حياتى هو الرد بقوة!هذا السرد المبسط، فى رحلة قناعات وأفكار دونالد ترامب «الثانى» نسبة لولايته الثانية يتبين أنه يطبق أفكاره المدشنة فى كتاب عمره يقترب من الـ30 عاما، ويمارس لعبة «Chicken Game» وبدأها مع خصومه، الرئيس السابق، جو بايدن، وأيضا مع منافسته فى سباق الانتخابات «كاميلا هاريس» ثم مع عدد كبير من دول العالم!كثير من المحللين السياسيين، يرون أن ترامب، من خلال ممارسته للعبة «Chicken Game» وما دشنه من أفكار فى كتابه «فن الصفقة» فإنه يُعد ابنا بارا للرأسمالية العدوانية! وأن مجابهة أفكار الرجل فى التفاوض تحتاج لقدرات شديدة فى فن المراوغة والحيل، وضرورة المواجهة، والقدرة على إبراز عناصر القوة والحسم أمامه، وعدم إظهار أى نقاط ضعف، فهو بارع فى استغلال ضعف خصومه وتوظيفها لمصالحه!