مقالات صحفية

رؤية حول الاستراتيچية المصرية عام ٢٠٢٤ (١)

بقلم : اللواء الدكتور سمير فرج

في مقال كاتبنا اليوم سيفرد أجزاء عبر المصري اليوم لرؤية مصر حول الاستراتيچية المصرية عام ٢٠٢٤ فكتب :

مع بداية كل عام جديد تسعى دول العالم لتحديث وتطوير رؤيتها الاستراتيجية بما يتوافق مع المتغيرات الواقعة فى دوائر أمنها القومى، فبشكل عام تعتمد الدول على وضع رؤى استراتيجية عامة طويلة المدى تمتد لخمس سنوات قادمة. إلا أنه لابد من إجراء تعديلات على الاستراتيجية بشكل سنوى وفقا لطبيعة المتغيرات العالمية على المستوى السياسى والعسكرى والاقتصادى التى تفرض نفسها على الساحة ويكون لها تأثيراتها المباشرة أو غير المباشرة على الدولة.

هل هناك حرب عالمية قادمة ؟ .. اللواء الدكتور سمير فرج يُجيب

وبالنسبة لمصر فإنها تتبنى استراتيجيات عامة محددة فى تعاملاتها مع الدول والتكتلات العالمية، بما يتسق مع سيادتها، وبما يتناسب مع أمنها القومى الذى هو مفتاح وجهتها، وبوصلتها عند اتخاذ القرارات الاستراتيجية، وتحديد سياساتها المستقبلية.وتعد المرجعية التى تتحرك من خلالها مصر فى تحديد ورسم استراتيجيتها هى دوائر الأمن القومى التى تتمثل فى ثلاث دوائر هى :

  • الدوائر البعيدة .
  • والدوائر القريبة، التى تتقاطع فيما بينها فيما يعرف باسم الدوائر الخطرة، ذات الطبيعة المتغيرة، وفقًا لتغير الأحداث العالمية.

وفى حديثنا اليوم سنتناول الاستراتيجية التى تتبناها مصر نحو دول القوى العظمى، التى تؤثر على أمنها القومى من منظور بعيد، وتعد فى ذات الوقت امتدادا له.تشمل تلك الاستراتيجية الدوائر البعيدة للأمن القومى المصرى، وهى :

  • الدائرة الأمريكية .
  • والدائرة الأوروبية (عدا روسيا) .
  • والدائرة الروسية .
  • ثم الدائرة الآسيوية .
  • وأخيرًا دائرة جنوب غرب آسيا.

وقد تحدد ترتيب تلك الدوائر وفقًا لأهميتها بالنسبة لمصر، سوف نتناول كل منها بشىء من التفصيل .

و تعد الولايات المتحدة الأمريكية أهم دولة فى دوائر الأمن القومى المصرى البعيدة، نظرًا لعدة عوامل منها اعتماد مصر، إلى حد كبير، على ماترتب من التفاهمات المقررة باتفاقية السلام بكامب ديفيد. إضافة إلى القوة السياسية للولايات المتحدة الأمريكية، ودعمها الحالى لمصر، بعد وصول الرئيس جو بايدن للسلطة، وحرصه على إعادة التوازن فى العلاقات السياسية والعسكرية بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية، بعد سنوات من حدوث خلل فى ميزان تلك العلاقة الاستراتيجية القائمة تاريخيًا، وذلك بسبب سياسات الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما، والتى أظهر فيها الكثير من التعنت تجاه مصر الذى تمثل فى وقف المعونة العسكرية لمصر وإيقاف التدريبات العسكرية المشتركة مع أمريكا النجم الساطع ثلاث سنوات.

أما الآن، فقد بلغت العلاقات الثنائية قمتها بوصول الرئيس الأمريكى الأسبق ترامب وبدخول أمريكا إلى الشرق الأوسط للتعاون مع مصر فى حربها للقضاء على الإرهاب، وقطع أواصره فى المنطقة..

ومن ناحية أخرى، بعد وصول الرئيس جو بايدن إلى السلطة أصبحت مصر بالنسبة للولايات المتحدة إحدى أهم دول الارتكاز فى المنطقة، خاصة بعد نجاح مصر فى تحقيق وقف إطلاق النار بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل فى حرب غزة الرابعة والخامسة، ثم جهودها حاليا فى حرب غزة التى بدأت يوم ٧ أكتوبر ٢٠٢٣م، ودورها فى عمليات التهدئة وتبادل الأسرى والرهائن الإسرائيليين والفلسطينيين.

فقد فرض المشهد فى المنطقة ما بعد حرب السابع من أكتوبر ظهور دور جديد لمصر، جعلها على رأس مجموعة التفاوض بين حماس وإسرائيل، بالإضافة لكونها المعبر الوحيد لمرور قوافل الإغاثة إلى غزة، سواء برا أو جوا، وقد كان الموقف المصرى واضحا منذ اللحظة الأولى بإعلانها رفض أى عمليات نقل أو ترحيل لأهالى غزة إلى سيناء، مع التأكيد على مسألة حل القضية الفلسطينية من خلال حل الدولتين، وهو الأمر الذى أيدته الولايات المتحدة وظهر ذلك واضحا من خلال الزيارات الخمس لوزير الخارجية الأمريكى بلينكن إلى مصر وكذلك زيارة رئيس المخابرات الأمريكية CIA، كل بهدف وقف إطلاق النار وتبادل الرهائن والسجناء الفلسطينيين.

وبعد أن أصبحت الآن الولايات المتحدة الأمريكية على وعى تام بأهمية الدور المصرى فى ملف الشرق الأوسط، وأنها المحرك الرئيسى فى المنطقة خلال السنوات القادمة، الأمر الذى سيكون له تأثيراته فى الاستراتيجية المستقبلية التى ستتبناها الولايات المتحدة خلال الفترة القادمة نحو الشرق الأوسط، ونفس الشىء بالنسبة للاستراتيجية المصرية نحو الولايات المتحدة، خاصة أن مصر فى حاجة إلى الدعم الأمريكى فى المحافل الدولية.

أما من حيث الاستراتيجية المصرية نحو الدول الأوروبية، التى تحتل المرتبة الثانية فى ترتيب دوائر الأمن القومى المصرى البعيدة، فتكتسب أهميتها من الناحية السياسية، لما يتمتع به الاتحاد الأوروبى من ثقل سياسى، تحتاجه مصر فى مواقفها الدولية، فضلًا عن اعتبارات الجوار بين مصر وعدد من دول الاتحاد الأوروبى على شواطئ البحر المتوسط، مثل إسبانيا وفرنسا وإيطاليا واليونان وقبرص، وكل هذه الدول تشارك مصر فى أمنها القومى من ناحية البحر المتوسط، وتشارك فى تأمين أى أحداث فى شمال إفريقيا، وخاصة الوضع فى ليبيا الذى يمثل حساسية خاصة، وامتدادًا طبيعيًا بالنسبة للأمن القومى المصرى، يضاف إلى ذلك الأهمية العسكرية لتلك الدول، إذ أصبحت دول الاتحاد الأوروبى تشارك مصر فى سياستها الجديدة فى تنويع مصادر السلاح، خاصة من السوق الفرنسية، والسوق الألمانية، والإيطالية.حيث يذكر لمصر شراء عدد أربع غواصات، من أحدث الأنواع من ألمانيا. كذلك شراء أربع فرقاطات ألمانية ثلاث منها يتم تصنيعها فى ألمانيا.

والرابعة سيتم تصنيعها فى الترسانة البحرية فى الإسكندرية، وقد عزز ذلك التعاون من عمق العلاقات المصرية الألمانية.وبالنسبة للعلاقات المصرية الفرنسية فقد كان شراء مصر حاملات المروحيات المسترال والفرقاطات البحرية دليلا على توافق العلاقات المصرية الفرنسية، الأمر ذاته مع إيطاليا بعد شراء الفرقاطات الإيطالية، وتجىء التدريبات المشتركة مع هذه الدول الثلاث فى البحر المتوسط كتوثيق أكثر عمقًا للعلاقات العسكرية، بالإضافة إلى الهدف الخاص بتأمين الغاز المصرى فى شرق المتوسط.كذلك تأتى العلاقات الاقتصادية بين مصر ودول الاتحاد الأوروبى كمحور ثالث لأهمية تلك الدائرة الأوروبية للأمن القومى المصرى، من خلال سعى مصر لزيادة معدلات التبادل التجارى بينها وبين دول الاتحاد الأوروبى، وزيادة تبادل الخبرات ممثلة فى اتفاقات التصنيع المشترك ودعم هذه الدول لمصر فى الاتفاقيات الاقتصادية مع البنك الدولى، خاصة فى هذه الفترة.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى