بقلم : اللواء الدكتور سمير فرج
في مقال لكاتبنا تحدث عن ذكريات أكتوبر المجيدة من خلال المصري اليوم و التي تجعله في حالة من السعادة دائماً فكتب يقول :
عندما تعود بنا الذكريات دائمًا فإننا نتذكر أحداثًا حدثت بنا، ولكنها كانت مؤثرة فى حياتنا، لذلك فإن استرجاع الذكريات دائمًا يكون من أجمل لحظات حياتى .
لم تكن أصوات المدافع، ورائحة البارود، قد انقشعت من فوق رمال سيناء بعد حرب أكتوبر ٧٣ ، حتى جاء رد بريطانيا بالموافقة على حضور ضابط مصرى لكلية كمبرلى الملكية بإنجلترا للدراسة… بعد توقف دام أكثر من عشرين عامًا… منذ أيام حرب السويس عام ٥٦ … والحقيقة أن هذه الموافقة جاءت بعد طلب من الرئيس السادات… الذى تبنى بعد حرب أكتوبر ٧٣ سياسة الانفتاح العلمى العسكرى… بأن يذهب الضباط المصريون للدراسة فى الكليات والمعاهد العسكرية فى دول الغرب فى إنجلترا وأمريكا وفرنسا… بعدما كان التعليم العسكرى للضباط المصريين فى الخارج مقصورًا على أكاديمية فروزا فى الاتحاد السوفيتى .
تم إرسالى مبعوثًا مصريًّا فى كلية كمبرلى الملكية فى إنجلترا… فكانت سعادتى لا توصف… كأول ضابط مصرى… يلتحق بالدراسة فى واحدة من أعرق الكليات فى العالم… والتى تخرج فيها أكبر القادة العسكريين. وكان للكلية احتفال بوصولى لأنهم فتحوا صفحة لمصر… كانت مغلقة فى الكلية منذ أيام حرب السويس.
أمضيت بالكلية عامًا ونصف العام، كنت خلالهما الضابط الأشهر فيها… ليس لشخصى… وإنما بصفتى ضابطًا مصريًّا… من جيش مصر الذى انتصر فى حرب أكتوبر ٧٣ … التى تُعد أحدث حرب تقليدية تمت فى العصر الحديث، بعد الحرب العالمية الثانية… فلم يكن يمر يوم واحد، إلا وكان يطلب منى، خلال المحاضرات، أن أشرح للدارسين، وعددهم ١٨٠ضابطًا، منهم ٦٠ ضابطًا من ٤٤دولة غير بريطانيا، كيفية تحقيق المصريين لهذا الفكر العسكرى فى حرب أكتوبر ٧٣.
وبالرغم من وجود ضابط إسرائيلى معى فى هذه الدراسة، فإنه لم يتم سؤاله ولا مرة واحدة عن حرب ٧٣ .. علمًا بأن معظم القادة الإسرائيليين تخرجوا فى هذه الكلية، مثل شارون، أليعازر، جونين، إسرائيلتال، باريف… وغيرهم.
وبعد تخرجى فى الكلية، وحصولى على المركز الأول فى الدراسة… تم تعيينى مدرسًا بالكلية… وكانت تلك المرة الأولى التى يعين فيها ضابط من خارج الكومنولث البريطانى مدرسًا بالكلية. وأتاح لى عملى مدرسًا أن أشارك فى ندوة حول سياسة الدفاع المضاد للدبابات فى مسرح العمليات الأوروبى BAOR… وهى منطقة العمليات المنتظرة للفيلق البريطانى.
وبالطبع، صُنفت هذه الندوة تحت درجة «سرى للغاية»… وقد تعهدت، قبل حضورها، بعدم إفشاء أى معلومات أو أسرار مما دار فى هذه الندوة.
ولقد كان السبب الرئيسى فى دعوتى إلى حضور هذه الندوة هو الاستفادة بخبرة الجيش المصرى فيما قدمه من فكر فى الدفاع المضاد للدبابات، خلال حرب أكتوبر ٧٣ ، فقد استطاع المصريون تغيير الفكر العسكرى القديم فى هذه الحرب، حيث حارب جندى المشاة المصرى، فى رؤوس الكبارى، لمدة ٨ ساعات، دون وجود أى دعم من الدبابات المصرية، التى لم تعبر إلى سيناء إلا بعد إنشاء الكبارى.
وقد أذهل هذا الفكر العسكرى المصرى كل المعاهد الغربية، وجعل مسؤوليها جميعًا مبهورين بهذه الخطة. وأشهد أن صاحب هذه النظرية المصرية.. كان الفريق سعد الشاذلى، رئيس أركان القوات المسلحة المصرية، خلال إعداده خطة العبور فى التوجيه ٤١.
ولقد استمرت هذه الندوة ثلاثة أيام… تكلمت خلالها أكثر من عشر مرات… لشرح وتوضيح الفكر المصرى العسكرى فى هذه النظرية الجديدة.
ومع نهاية الندوة، تقدم لى جنرال بريطانى، يترأس مجلة British Army Review، التى كانت واحدة ضمن أربعة مجلات عسكرية عالمية يهتم بها المفكرون العسكريون، وهم الأمريكية American Army Review، والسوفيتية Soviet Army Review، ثم إصدار معهد الدراسات الاستراتيجية فى لندن Military Balance، وطلب منى الجنرال الإنجليزى أن أكتب مقالات عن حرب أكتوبر ٧٣ … من وجهة النظر المصرية لأن كل ما كُتب، قبل ذلك، تم بمعرفه ضباط إنجليز… وأنه، بعد متابعته الندوة، يرى ضرورة أن يتعلم الضباط الإنجليز الكثير من خبرة المصريين فى تلك الحرب.
وبدأت فى كتابة خمس مقالات تصدر فى خمسة أعداد شهرية، كانت :
- الأولى عن الاستعداد والتجهيز لحرب أكتوبر .
- والثانية عن اقتحام قناة السويس وتدمير خط بارليف .
- والمقالة الثالثة عن إنشاء رؤوس الكبارى الخمس على قناة السويس وصد الهجمات المضادة للقوات الإسرائيلية .
- والرابعة عن أعمال التطوير شرقًا فى اتجاه المضايق .
- وكانت المقالة الخامسة عن إيقاف هجمات شارون باتجاه الإسماعيلية واحتواء الثغرة.
ويعلم الله أنها كانت فترة عصيبة، اجتهدت فيها لإبراز الفكر العسكرى المصرى، وعظمة التخطيط والتنفيذ… دون الإخلال بمفهوم الأمن، ونشر أى معلومات تؤثر على أمن القوات المسلحة المصرية.
وخرجت المقالات فى خمسة أعداد شهرية، وكان لهذه المجلة تقليد بأن ترسل مع كل عدد قصاصة صغيرة، عبارة عن استبيان رأى… يملؤها الضابط الإنجليزى، ويُعيدها إلى المجلة… وذلك لكى تتأكد رئاسة المجلة من وصول العدد إلى الضابط، أولًا، ولتحسين مضمونها، ثانيًا.
وكان الاستبيان عبارة عن سؤالين، هما: «هل هناك موضوع معين ترى أن تقوم المجلة بعرضه فى أعداد قادمة؟»…
والسؤال الثانى هو: «ما أفضل مقالة فى هذا العدد؟».
وكانت المفاجأة أن نتائج استطلاع الرأى أظهرت أن المقالات الخمس عن حرب أكتوبر ٧٣ … فى الأعداد الخمسة المتتالية… حصلت على مركز «أفضل مقالة» من جميع الضباط الإنجليز.
لذلك قررت إدارة المجلة تكريمى، بدرع صغيرة هدية… لى… ككاتب للمقالات… لأن هذه النتائج كانت سابقة هى الأولى من نوعها فى المجلة.
ونظرًا لأننى كنت قد غادرت بريطانيا إلى مصر، آنذاك، فلقد قررت رئاسة المجلة إرسال الهدية إلى الملحق العسكرى البريطانى فى القاهرة، الذى عرض الأمر، بدوره، على السفير البريطانى لدى مصر، فأمر بإقامة احتفال، تتم فيه دعوة الشخصيات العامة والعسكرية لتكريم الضابط المصرى، الذى حصلت مقالاته الخمس على المركز الأفضل لدى الضباط الإنجليز.
وقامت السفارة بمخاطبة السلطات المصرية للموافقة على دعوة الضابط، وإقامة الحفل.
وجاء الرد بالرفض نظرًا لعدم حصولى على إذن مسبق قبل كتابة ونشر المقالات، وأن الضابط يتسلم الهدية من مبنى إحدى الإدارات التابعة للقوات المسلحة المصرية… وعندما ذهبت لتسلم الدرع… تم إبلاغى، فى الاستعلامات، بأنها موجودة فى الأرشيف… فتوجهت إلى مكتب الأرشيف… فى البدروم… ووقّعت فى دفتر الأرشيف، وتسلمت الهدية.