مقالات صحفية

أين الجيش في انتخابات الرئاسة ؟

بقلم : لواء دكتور/ سمير فرج

في مقال اليوم للمحلل الإستراتيجي و العسكري اللواء دكتور سمير فرج في الأهرام في ثاني أيام الإنتخابات تحدث عن مشاركته في الإنتخابات و تصويته و تعمده للوصول مبكراً فكتب :

فى اليوم الثانى من أيام الاستحقاق، توجهت لتأدية واجبى الوطنى، بالمشاركة فى انتخابات رئاسة الجمهورية، ووصلت إلى لجنة الانتخابات المحددة لى، فى مدرسة سيزا نبراوى، بمنطقة التجمع الخامس، فى الصباح، متعمداً الوصول مبكراً، لأنتهى من الإجراءات اللازمة، قبل أن أستأنف يومى، بعد ذلك.

ووصلت، بالفعل، فى تمام التاسعة إلا عشر دقائق، لأتفاجأ بمشهد الطوابير المصطفة أمام اللجنة الانتخابية، فطابور الرجال امتد لأكثر من نصف كيلو متر، ومثله، تماما، طابور السيدات.

هنري كيسنجر والأطباق الساخنة

ولأن، البعض، قد لا يصدق، إلا إن شاهد بنفسه، وحيث أن الصورة لا تكذب، فلقد قام مندوب صحيفة «اليوم السابع» بتصوير تلك الطوابير، ونشرها، على الفور، على شبكات التواصل الاجتماعى، ليطلع عليها الجميع .

ودخلت اللجنة، وأديت واجبى الانتخابى، وعند خروجى منها، وبمشاهدة الطوابير، التى زاد أعداد الواقفين فيها، تبادر إلى ذهنى سؤال، وهو «أين أفراد القوات المسلحة، التى اعتدنا رؤيتها، طوال السنوات العشر الماضية، لتأمين مثل تلك العمليات الانتخابية، سواء الرئاسية أو البرلمانية؟»
، فلم أرَ حولى أيا من العربات المدرعة، سواء التابعة للقوات المسلحة أو للشرطة المدنية، ولم أر أفراد الخدمة من الشرطة العسكرية للقوات المسلحة، ولا حتى وحدات الأمن المركزى للشرطة المصرية بعرباتهم المدرعة .
فلم يكن لأى منهم حضور فى المشهد، الذى اقتصر على التأمين فيه على وجود أفراد الشرطة المدنية، لتأمين مقار اللجان، وفقاً للنظم المعمول بها فى أى مكان فى العالم، ووفقا لاحتياجاته، فرأيت فى لجنتى الانتخابية ضابط شرطة، سيدة، برتبة نقيب، لمساعدة السيدات من كبار السن، وتنظيم دخولهن وخروجهن من اللجنة الانتخابية للإدلاء بأصواتهن .

ولما عدت لسيارتى، طلبت من السائق أن يتجول حول المدرسة، التى أدليت فيها بصوتى، لعلى أجد أيا من عناصر القوات المسلحة أو من الأمن المركزى، بعرباتهم المدرعة، والتى عادة ما توجد بالقرب من مكان اللجان الانتخابية، ونطلق عليها فى القوات المسلحة اسم «احتياطى قريب»، والذى تكون مهمته الوجود بالقرب من منطقة الحدث، للتدخل، سريعا، فى حالات الطوارئ، إلا أننى لم أجد أيا من أفرادهم فى محيط منطقة الانتخابات. والحقيقة أننى شعرت بالفخر والطمأنينة، بعودة مصر، كما كانت دوماً، دولة قوية ومستقرة وآمنة، قادرة على تنفيذ أهم استحقاق انتخابى، فى عصرها الحديث، بصورة حضارية.

ولما وصلت إلى مكتبى، اتصلت بقيادة القوات المسلحة، للاستفسار عن سبب أو أسباب غياب قوات التأمين من القوات المسلحة،والتى اعتادت الخروج لتأمين اللجان الانتخابية، خلال السنوات العشر السابقة؟

وجاءنى الرد واضحاً، بأن السيد الرئيس عبدالفتّاح السيسى أصدر تعليماته بعدم تدخل أفراد القوات المسلحة، أو الأمن المركزى، فى عمليات تأمين اللجان الانتخابية، نظرا لعدم الحاجة لوجودهم، فى ظل ما تشهده البلاد من استقرار الأوضاع بها، وهو ما يجب أن يظهر جليا للعالم كله، وأن يقتصر التأمين على الوجود الشرطى اللازم فى مثل تلك المواقف، التى يعتمد تأمينها، بالأساس، على حسن تصرف أبناء الشعب المصرى .

والحقيقة أن الرهان كان فى محله، فقد خرج الشعب المصرى، فى مظهر حضارى، فاق كل التوقعات، سواء بالحضور المكثف، أو بالانضباط، فى اللجان الانتخابية، ليحقق أكبر نسبة مشاركة فى العقود الأخيرة، وفق ما صدر من استطلاعات أولية،فلم تشهد اللجان الانتخابية، فى عموم مصر، أى خروقات أو أحداث غير منضبطة، ليثبت الشعب المصرى العظيم، مرة أخرى، حبه وولاءه وإخلاصه لوطنه، وحرصه على ظهور مصر فى أبهى صورها، التى تستحقها.

وفى اليوم الأخير من الانتخابات، كنت على موعد مع طلبة جامعة المنصورة الجديدة، لألقى عليهم محاضرة عن تحديات الأمن القومى المصرى، ضمن سلسلة من الزيارات لمختلف جامعات مصر، منذ بداية شهر أكتوبر الماضى، زرت خلالها ٢٠ جامعة وطنية وخاصة .

وكم كانت سعادتى عظيمة، وأنا أصعد على المنصة، لأجد طلبة الجامعة والسادة أعضاء هيئة التدريس، والكل قد رفع يديه، ليظهر علامات الحبر الفوسفورى على أصابعهم، دليلا على قيامهم بتأدية الواجب الانتخابى، والإدلاء بأصواتهم فى العملية الانتخابية. وهو ما يعد أحد أهم مؤشرات نجاح العملية الانتخابية، بعد سنوات من عزوف الشباب عن المشاركة فى أى عملية انتخابية، متحدياً الأبواق الزائفة لجماعة الإخوان وتابعيهم، من كارهى مصر، الذين حاولوا إثناء أفراد الشعب عن المشاركة، بدعوى أن النتيجة محسومة لصالح مرشح رئاسى محدد. بينما، فى الحقيقة، أن المشاركة فى الانتخابات، هى أولى خطوات ممارسة الحرية والديمقراطية، بصرف النظر عن النتائج، وهو الواجب الذى يجب عدم التفريط فيه أبداً.

ومن هذا كله، أرى أن انتخابات الرئاسة المصرية ٢٠٢٤ ، ستبقى علامة فارقة فى تاريخ مصر الحديث، لعدة أسباب :

  • أولها كثافة المشاركة فيها من كل فئات الشعب وطبقاته .
  • وثانيها عدم احتياجها لتأمين إضافى من الشرطة أو القوات المسلحة .
  • وثالثاً ، وهو الأهم، إقبال الشباب المصرى على المشاركة فيها، وممارسة حقه الديمقراطى، لتظهر مصر فى صورتها العظيمة للعالم كله، بالتزامن مع احتفالاتها بذكرى مرور ١٠٠ عام على أول عملية انتخابية تمت فى تاريخ مصر، بعد دستور ١٩٢٣، وليشرفها أبناؤها وشبابها، بأن تكون مشاركتهم بصورة منضبطة، وحضارية، تليق بمكانة مصر بين دول العالم، وليثبت أن بلاده عظيمة وآمنة ومستقرة، ولها دور عظيم فى تحقيق الديمقراطية منذ القدم وعبر العصور.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى