شعب مصر

إسرائيل بعد الطوفان

بقلم الكاتب الصحفي / حمدي رزق

صحيح أن الدم المسفوك رهيب، والثمن الذي دفعه الشعب الفلسطينى في غزة من الأرواح فادح، لكنه شعب ولّف على دفع ضريبة الدم يروى بالدماء أرضه السليبة، يوصفون شهداء أولاد شهداء من صلب شهداء. يترسمون شهداء في نعوش تنظر إلى السماء .

فقل كما شئت، وشاءَ لك الهوى السياسى، والعن حماس في سرك أو على الهواء مباشرة، ولكن هلّا توقفت هنيهة أمام الحقائق التي خلّفها « طوفان الأقصى» .

سرًّا وعلانية هناك حَكْى آخر، إسرائيل بعد طوفان الأقصى إسرائيل أخرى، إسرائيل مهزومة، تعانى جرحًا عميقًا، تعبر عنه بوحشية حيوان جريح، ولكنها تنزف داخليًّا، وأخطر أنواع النزيف النزيف الداخلى، يحار الأطباء في تشخيص خطورته.

إسرائيل ضربها الطوفان من غزة على حين غرة، وما بعد الطوفان، ناهيك عن الخسائر المادية، ستعوضها الخزانة الأمريكية أضعافًا، لكن ما لا يعوض كسرة إسرائيل نفسيًّا.

هزيمة إسرائيل المعنوية لا تُتخيل، إسرائيل تنزف من كرامتها المهدرة، وكبريائها المجروحة، وغرورها الذي تهاوَى، إسرائيل الكبرى صغرت قوى في أعين العالم، باتت تتسول دعمًا ماديًّا وعسكريًّا وبشكل مهين للغطرسة التي كانت عليها قبلًا، كانت تستأسد علينا، فباتت بعد الطوفان مثل نعامة تخشى طفلًا فلسطينيًّا يحمل حجرًا .

ناهيك عن الأمراض النفسية والعصبية التي سيعانيها الإسرائيليون، ستعود إسرائيل كما جاءت دولة غريبة، فهى جسم غريب مزروع في أرض غريبة، جسم تلفظه المنطقة بأسرها، كل ما أنفقته على محاولات التطبيع مع دول الجوار صار سرابًا، وصار التطبيع جريمة لن يقدم عليه عربى امتُحن في عروبته وقبلها إنسانيته.

خسرت إسرائيل الجلد والسقط، سقطت في اختبار الأهلية الدولية، وخاصمتها الشعوب الحرة، والمنظمات والهيئات والجمعيات التي تعنى بشؤون الإنسانية وحقوق الإنسان، صارت دولة منبوذة إنسانيًّا، اسمها مرادف لكل ما في قاموس البربرية الغابرة.

إسرائيل ستظل تعوى كذئب الغياض، وصفه الذئب الرمادى، يعقر متوحشًا، ستعانى طويلًا في محاولات ترميم السمعة، واستعادة الهيبة، وبعض الكبرياء المفقود، سقطت من حالق في صدع داخلى عميق، ستتفاعل مكونات المجتمع الإسرائيلى، ستتصاعد أبخرة سامة تخنق حلم الدولة العبرية.

أكره حماس الإخوانية، ولكن لا تنسى في مستنقع الكراهية الذي توحل فيه أن حماس ركّعت إسرائيل، صارت كيانًا محتلًّا وليست دولة، كُشف عنها الغطاء، عادت سيرتها الأولى دولة احتلال غاصب مغتصب.

خلاصته، إسرائيل فقدت منعتها، بعد أن سقطت ورقة التوت عن ديمقراطيتها المزعومة، تَعَرَّتْ، وتاليًا ستجلس صاغرة أمام العرب في مفاوضات حل الدولتين، خلوًا من الغرور المقيت لتفاوض فحسب على الأمن المفقود .

.لو لم تفعل المقاومة سوى تمريغ أنف جيش الاحتلال في الوحل لكفاها، انتهت أسطورة الجيش الذي لا يُقهر، صار مقهورًا، ويمكن قهره وهزيمته تاليًا، لم يعد عَصِيًّا على الهزيمة، وتجرع مرارتها.

جنون وطيش قادة الحرب الذين عبروا عنه بوحشية مفرطة، يجسد حجم الصدمة الإسرائيلية، كابوس ثقيل لن تفيق منه إسرائيل سريعًا، الفزع الذي بات عليه شعب الدولة العبرية أعادهم مجددًا إلى ذكريات الشتات المؤلمة، النزوح الإسرائيلى إلى الداخل (شمالًا) بعيدًا عن «حقل الشوك» في غزة يُذكِّرهم بماضٍ تولّى.