شعب مصر

حرب اكتوبر ١٩٧٣ والحرب الروسية الأوكرانية

بقلم : اللواء الدكتور سمير فرج
ودائما، عندما تتوقف قذائف المدفعية وهجمات القوات الجوية وتتوقف نيران قوات المشاة، وينقشع البارود عن ميدان القتال، تبدأ مراكز البحوث العسكرية والدراسات الاستراتيجية في كل أنحاء العالم في دراسة وتقييم هذه الحرب، لمعرفة كل ما هو جديد والدروس المستفاد من هذه الحرب، وما هي نقاط القوة والضعف من نتائج هذه الحرب لكي نقدم الخبرة في العمليات القتالية القادمة، ولتطوير الأسلحة والمعدات. وأساليب القتال وفن استخدام القوات المقاتلة وبعد انتصار حرب أكتوبر ١٩٧٣ ، تمت دراسة هذه الحرب ونتائجها من مختلف مراكز الدراسات الاستراتيجية في العالم كله سواء أمريكا او دول حلف الناتو أو حتى روسيا خاصةً أنها تمت بين قوتين على أعلى درجات التسليح وهي القوات المسلحة المصرية والقوات المسلحة الإسرائيلية، وكان من نتائج هذه الدراسات أن المصريين في هذه الحرب قدموا مفاهيم وأساليب قتال جديدة غيرت العديد من المفاهيم والنظريات العسكرية في الحروب القادمة، وكذلك في نظم التسليح وتطوير الأسلحة والمعدات العسكرية.
وكانت البداية عندما تم إغراق المدمرة الإسرائيلية إيلات أمام سواحل بورسعيد بواسطة إثنين لنش صواريخ سطح سطح لكي تغير هذه المعركة أساليب القتال وتسليح القوات البحرية في العالم، ومنذ ذلك. اليوم، توقفت البحرية العسكرية في العالم عن تصنيع المدمرات والبوارج وحاملات الطائرات الضخمة، وأصبح الاعتماد على الفرقاطات ذات قدرة نيرانية عالية تعتمد على التكنولوجيا العسكرية في الرادارات ومكافحة الغواصات وقدرات الدفاع الجوي العالية.
وعلى مستوى أساليب القتال، فلقد نجحت القوات المصرية في إفشال نظام الدفاع المتحرك، Mobile Defense الذي هو أساس العقيدة القتالية الأوروبية.
والذي كان يستخدمه الإسرائيليين للدفاع عن شرق القناة، وحينما هاجمت القوات المسلحة المصرية دفاعات القوات الإسرائيلية على طول المواجهة القناة ١٨٠ كيلو، وهنا فوجئ المدافع الإسرائيلي بهذا الهجوم بالمواجهة، لذلك وقفت الاحتياطيات الإسرائيلية عاجزة عن التدخل، لأن الدفاع المتحرك ينظم على أساس اختراق من اتجاه واحد، أو اتجاهين.
ومن هنا يتم دفع الاحتياطي في ذلك الاتجاه أو الآخر أما ما حدث من المصريين فلقد هدم نظرية الدفاع المتحرك الإسرائيلية وبالتالي نظام الدفاع المتحرك في العقيدة الغربية.
لذلك، قررت قيادة حلف الأطلنطي، تغيير هذا النوع من الدفاع إلى نوع آخر متطور اسمه الدفاع النشط Active Defense والذي يعتمد على وجود عدة احتياطيات على محاور التقدم.
وعلى الاتجاه الآخر، على مستوى الدفاع الجوي، قدمت القوات المسلحة المصرية في هذه الحرب أسلوب حائط الصواريخ للدفاع الجوي. الذي يمكن لأي قوات مهاجمة ليس لديها قوات جوية متفوقة، تحييد قوات العدو الجوية وان تمنعها من التدخل في اعمال القتال وهنا أطلق عليه الغرب نظام تحييد القوات الجوية المعادية وكان هذا هو الدرس الثالث من حرب أكتوبر ١٩٧٣ .
وجاء الدرس الرابع من هذه الحرب، وهو عدم الاعتماد على المقارنة العددية للأسلحة والقوات، حيث كانت جميع مراكز الدراسات الاستراتيجية في العالم قبل حرب ١٩٧٣ تطبق المقارنة بالقوات العددية، وتقول أن أعداد الأسلحة للقوات الإسرائيلية تفوق أعداد القوات المقاتلة المصرية، ولكن جاءت حرب أكتوبر ١٩٧٣ وانتصر المصريين لتضع شكل جديد من أنواع المقارنة وهي المقارنة النوعية وأن هناك أيضاً دور للروح المعنوية القتالية للجندي الذي يدافع عن أرضه وهو الجندي المصري .
وجاء الدرس الخامس وهو إمكانية قتال المشاة بدون دبابات التعاون الوثيق التي كانت تعتبر دائما الردع لقوات المشاة في أي معركة حيث نجحت المشاة المصرية في اقتحام قناة السويس وتدمير خط بارليف وصد احتياطيات العدو الإسرائيلي قبل وصول الدبابات المصرية بذلك تغيرت مفاهيم وأساليب قتال قوات المشاة في العالم لإمكانية قتالها منفردة دون دبابات الدعم أو التعاون الوثيق. حيث أدى ذلك إلى تغيير خطة دفاعات حلف الناتو في مسرح عمليات غرب أوروبا.
ولقد حضرت بنفسي جلسات حوارية ونقاشية لقيادة القوات البريطانية في ألمانيا، حيث غيرت القوات البريطانية أساليب دفاعها هناك في هذا الوقت بسبب نجاح قوات المشاة المصرية في حرب أكتوبر.
وعلى الجانب الآخر، جاءت تحليلات نتائج الحرب الروسية الأوكرانية من خلال عنصرين فقط، الأولى حيث قدمت روسيا في هذه الحرب أسلوب جديد لبداية الحرب، من خلال ضربة صاروخية بدلا من الضربة الجوية، حيث نجحت روسيا خلال السنوات التي سبقت هذه الحرب بتطوير أنواع صواريخ باليستية الروسية إسكندر، وكنجال . ذات الدقة العالية في اصطياد الهدف، كذلك، رخص تكاليف هذا الصاروخ، الذي لا يتعدى ثمنه مليون دولار. بينما الطائرة.F16 ، وسوخوي من الأجيال الحديثة، حوالي تسعين مليون دولار .
والنقطة الثانية أنه ظهر في هذه الحرب استخدام الطائرات المسيرة بدون طيار الدرونز، حيث وضح للجميع أن روسيا لم تعطى هذا السلاح في الفترة السابقة، أي أهمية لهذا النوع من الطائرات ولم تعطه حقه في التطوير قبل هذه الحرب، لذلك لجات للطائرة المسيرة بدون طيار الإيرانية (شاهد)، لكن خلال هذه الحرب بدأت المصانع الروسية في تطوير هذا النوع من الأسلحة، حتى أنه يقال أن المصنع الروسي الجديدة سوف تنتج طائرة (شاهد) جديدة بدءاً من عام ٢٠٢٤ بطاقة ٣٠٠٠ طائرة سنوياً ، الأمر الذي سيدعم القوات الروسية في حربها العام القادم ضد أوكرانيا، وأعتقد أن العالم كله يستغل هذه الحرب حاليا في تطوير الطائرات المسيرة في جميع الأنظمة الدفاعية ، لأنها تعطي نفس المهام للطائرة المقاتلة بتكلفة أقل بكثير وتصبح بالتالي الخسائر أقل.
وتأتي النقطة الأخيرة، وهو تركيز جميع المصانع الحربية في العالم على تطوير راداراتها العسكرية لزيادة قدرتها وكفاءتها على اكتشاف هجمات الطائرات المسيرة في الفترة القادمة، كذلك الصواريخ الباليستية خاصة في المراحل الأولى الافتتاحية للحرب
وأتذكر خلال معرض السلاح في العام الماضي في دبي أيدكس ومن خلال جولات الخبراء العسكريين في صالات العرض، اكتشف الجميع أن معظم الدول لم تعرض في هذا المعرض أي معدات جديدة للرادارات أو حتى الرادارات القديمة، وبالسؤال أين عرض معدات الرادار فكانت الإجابة واحدة إن جميع مصانع الرادارات في العالم تكثف جهودها الآن لتطوير معدات الرادار، حتى يتسنى لها اكتشاف الطائرات المسيرة بدون طيار صغيرة الحجم، كذلك اكتشاف الصواريخ البالستية الجديدة التي تخترق الغلاف الجوي وتسبح في الفضاء.
وفجأة تنقض على الهدف المطلوب مهاجمته، ومن هنا لا يتاح للرادار أكثر من ثلاثة دقائق على الأقل لاكتشاف الهدف وتحديد بياناته حتى يمكن التعامل معه، ولعل ما يحدث الآن في موسكو أنها تهاجم يوميا بالطائرات المسيرة بدون طيار الأوكرانية ، وتقف الرادارات الروسية عاجزة عن تحديد مكانها.
وطرق اقترابها حتى يمكن التعامل معها وتدميرها، وهكذا فإن التطور القادم للرادارات في كل المصانع العسكرية في العالم سوف يأخذ وقتاً طويلاً حتى يستطيع التعامل مع الطائرات المسيرة بدون طيار والصواريخ الباليستية.
لكن تظل نتائج حرب أكتوبر ١٩٧٣ هي الأكثر تأثيرا في تطوير أساليب القتال والتسليح .