بقلم : اللواء الدكتور سمير فرج
فور نشوب القتال بين روسيا وأوكرانيا ظهر هذا السؤال في جميع أنحاء العالم، هل هذه الحرب هي مقدمة لحرب عالمية ثالثة؟، وفى البداية أود أن أقول إن الدول التي لديها سلاح نووى في العالم هي تسع دول، سميتها أنا النادى النووى، وهى روسيا وأمريكا وإنجلترا وفرنسا والصين والهند وباكستان وكوريا الشمالية وإسرائيل، علمًا بأن المخزون النووى لروسيا فقط يمكن أن يدمر العالم كله، وهى التي تملك فعلًا أكبر مخزون نووى، وتليها أمريكا.
ولذلك، إذا قامت حرب عالمية، فإن المخزون النووى لأى منها سوف يدمر العالم كله.
من هنا يجب أن نفهم أولًا متى يُستخدم السلاح النووى لأى دولة من أعضاء النادى التسع، وتعود الأحداث إلى أيام أزمة الصواريخ الكوبية عام ٦٢ عندما قامت الثورة في كوبا، الملاصقة لأمريكا، وأصبح كاسترو، الزعيم الشيوعى، رئيسًا لكوبا بدلًا من الحاكم باتيستا، حيث عقد معاهدة تعاون مع الاتحاد السوفيتى في ذلك الوقت.
وفجأة، وجدت أمريكا على حدودها الملاصقة في كوبا صواريخ نووية سوفيتية، وساعتها كاد جون كينيدى، رئيس أمريكا، يدمر كوبا بما عليها من صواريخ نووية سوفيتية بضربة نووية أمريكية، واستمرت هذه الأزمة ١٤يومًا، انتهت بسحب الاتحاد السوفيتى الصواريخ النووية من كوبا، وأصدر الكونجرس الأمريكى قراره بعدم اتخاذ أي رئيس لأمريكا قرارًا باستخدام السلاح النووى إلا إذا تمت مهاجمة أراضى الولايات المتحدة الأمريكية، ومن يومها أصبح هذا القرار عرفًا تعمل به كل دول النادى النووى.
ولذلك، ونحن الآن في مرحلة الحرب الروسية الأوكرانية، فإن أي أسلحة تقدمها أمريكا أو دول حلف الناتو إلى أوكرانيا، يكون الشرط الأساسى هو ألّا تستخدمها في ضرب العمق الروسى، وإلا سيكون لروسيا الحق في استخدام السلاح النووى ضد أوكرانيا، حتى لو كان سلاحًا نوويًّا تكتيكيًّا.
وظهر ذلك واضحًا عندما قامت أمريكا بتسليح أوكرانيا بالمدفعية الصاروخية الجديدة هيمارس التي يصل مداها إلى ٨٠ كيلو، ثم الطائرة F16، وكذلك ألمانيا وفرنسا عندما قامتا بتسليح أوكرانيا بالدبابات الليوبارد والدبابة AMX وأمريكا الدبابة M1A1، وكان شرطهم ألّا تستخدم أوكرانيا هذه الأسلحة لضرب عمق روسيا، بل تستخدمها للدفاع عن أراضيها واستعادة أراضيها المستولَى عليها.
ويتساءل البعض : كيف ذلك، وأوكرانيا تقوم بمهاجمة موسكو حاليًا بالطائرات المسيرة؟.
يومها أقول إن هذه الطيارات المسيرة، وهى تركية في الأصل، بيرقدار ثانيًا، ليست ذات قوة نيرانية مؤثرة، وإن قيام أوكرانيا بتنفيذ هذا الهجوم بالطائرات المسيرة على الأراضى الروسية هو تغطية على فشلها في القيام بالهجوم المضاد في الربيع لمحاولة طرد القوات الروسية التي تحتل ٢٠ ٪ من أراضى أوكرانيا، لذلك شنّت أوكرانيا هذه الهجمات بالطائرات المسيرة بهدف رفع الروح المعنوية للقوات الأوكرانية لتوضح للولايات المتحدة ودول الناتو أن أوكرانيا مازالت تقاتل القوات الروسية.
والواقع أن أمريكا ودول حلف الناتو تقلق دائمًا من هذا التطور الأوكرانى، رغم أنه من الناحية العسكرية لا يمثل تهديدًا لروسيا، لكنه عامل معنوى فقط. لذلك الخوف دائمًا من أن تتهور بعض القيادات الأوكرانية، وتقوم بضرب العمق الروسى.
هنا يمكن أن ترد روسيا، وتستخدم السلاح النووى التكتيكى ضد هدف مؤثر داخل أوكرانيا، وأعتقد في مثل هذه الحالة أنه قد يتم استخدامها لتدمير ميناء أوديسا تمامًا، وبذلك تفقد أوكرانيا أي موانئ بحرية لها على البحر الأسود، وهو الميناء الرئيسى لتصدير الحبوب من أوكرانيا إلى باقى دول العالم.
والهدف الثانى للصواريخ النووية التكتيكية هو كييف العاصمة لأنه بهذه الضربة تسقط العاصمة ويسقط النظام وهذا أمر يُقلق الولايات المتحدة ودول الناتو .
أما الهدف الثالث المحتمل مهاجمته بضربة نووية تكتيكية روسية فهو مدينة لفيف على الحدود مع بولندا، وهى المدينة الأوكرانية التي تستقبل فيها أوكرانيا الأسلحة القادمة من أمريكا ودول حلف الناتو.
وفى هذه الحالة سوف تتأثر بولندا بالإشعاع النووى الناتج من تفجير هذه القنبلة النووية التكتيكية، وبالطبع هذا الاستخدام من قِبَل روسيا سيضع الولايات المتحدة ودول حلف الناتو في موقف حرج للغاية، خاصة أن أيًّا من هذه الدول، سواء أمريكا أو دول حلف الناتو، لم تهاجم أراضيها، وهذا يعنى أنه يجب ألّا تتدخل بضربة نووية، حتى لو كانت ضربة نووية تكتيكية، ومن ذلك نفهم أن حدوث حرب نووية كاملة أمر أصبح مستبعدًا خلال الفترة القادمة في الحرب الروسية الأوكرانية، خاصة أن الولايات المتحدة ودول حلف الناتو لا تريد أن تصل أحداث الحرب الروسية الأوكرانية إلى حافة الهاوية، لذلك إذا توترت الأمور فإنه من الأسهل اللجوء إلى طرف ثالث لاحتواء الموقف.
أما الاتجاه الآخر، وهو اتجاه الصين وكوريا الشمالية واليابان، فأعتقد أن الصين في منتهى الذكاء والكياسة، بحيث إنها لن تدع الأمور تتصاعد وتتهور لاستخدام القوة العسكرية، حتى لو كانت حربًا تقليدية وليست نووية، خاصة أن الصين تعلم تمامًا أن تايوان جزء منها، وأن العالم كله يعترف بمصطلح الصين واحدة، وأن تايوان جزء من الصين، لذلك فإن أي استفزاز أمريكى للصين في منطقة بحر الصين تقابله الصين بأسلوب سياسة حافة الهوية، مثلما حدث عند زيارة بيلوسى، رئيسة الكونجرس الأمريكى، في نهاية العام الماضى، إلى تايوان، فلم يتم استفزاز الصين، وحاولت المحافظة على ألّا تتصاعد الأمور، وإن كانت قد قامت ببعض المناورات العسكرية في بحر الصين، وإطلاق الصواريخ الباليستية الصينية لكى تمر فوق تايوان، كل ذلك كان في إطار رسالة إلى أمريكا بأن القوة العسكرية الصينية موجودة، لكننا لن نقع في الفخ وندخل في حرب تفقد فيها الصين كل مكاسبها الاقتصادية التي حققتها في السنوات السابقة وتدخل في حرب تدمر اقتصادها، كما أن الولايات المتحدة حاليًا في ظروف حرجة للغاية، حيث إن الانتخابات الأمريكية العام القادم، وأى قرار سريع وغير دقيق سيُعرض الحزب الديمقراطى لخسارة انتخابات.
ومن ذلك كله نرى أن الفترة القادمة سيعمل فيها الجميع على عدم التهور وإصدار قرارات تؤثر على استقرار أي دولة.
من هنا نرى أن قيام حرب نووية حاليًا أمر مستبعد حدوثه، لكنه من الممكن تنفيذ ضربات نووية تكتيكية من دولة نووية ضد دولة غير نووية، وهذا ما تحاوله الآن إسرائيل لتنفيذ ضربة ضد المفاعلات الإيرانية، قبل أن تتمكن إيران من تصنيع القنبلة النووية، رغم أن أمريكا تمنع إسرائيل من تنفيذ ذلك الإجراء، وهكذا نرى أن جميع دول العالم تسير بحذر، وخاصة الدول النووية، حتى لا يدخل العالم في حرب عالمية تطيح بالعالم كله .