شعب مصر

بعد الانقلاب العسكري … النيجر إلى أين ؟

بقلم اللواء دكتور : سمير فرج

أفاق العالم، فى صباح اليوم السابع والعشرين من شهر يوليو، على خبر الانقلاب العسكرى فى دولة النيجر، ليكمل هذا الانقلاب، حزام الانقلابات فى دول غرب إفريقيا، بعد الانقلابات العسكرية فى مالى فى عامى ٢٠٢١و٢٠٢٢ ، وانقلاب غينيا العسكرى فى عام ٢٠٢١، وانقلاب بوركينا فاسو فى عام ٢٠٢٢.

تلك الدول الفرانكفونية، التى وقعت فريسة للاستعمار الفرنسى، من قبل، وظلت تحت الهيمنة الفرنسية، حتى بعد استقلالها. والواقع أن بعض هذه الدول، بعد حدوث الانقلابات فيها، تحولت من الهيمنة الفرنسية إلى هيمنة دول أخرى، فأصبحت مالى تحت الهيمنة الروسية، وتوجد بها قوات من مجموعة فاجنر، وأصبحت إفريقيا الوسطى، كذلك، تحت السيطرة الروسية، فضلاً عن التدخل الاقتصادى الصينى، فى معظم دول إفريقيا، بما فيها الدول الفرانكفونية.

الرئيس المنتخب محمد بازوم للنيجر

أطاح الانقلاب الأخير، فى النيجر، بالرئيس المنتخب محمد بازوم، أول رئيس من أصل عربى، خاصة أن المواطنين أصحاب الأصول العربية، لا تتعدى نسبتهم أكثر من واحد ونصف فى المائة من سكان النيجر، البالغ عددهم 24 مليون نسمة.

قاد الانقلاب الجنرال عبدالرحمن تشيانى، قائد الحرس الرئاسى،

الجنرال عبدالرحمن تشيانى، قائد الحرس الرئاسى

الذى سبق له أن أحبط ثلاث محاولات انقلاب، فى عهد الرئيس محمد بازوم، وله شعبية كبيرة بين ضباط قواته من الحرس الرئاسى، وحصل على تأييد القوات المسلحة، فور حدوث الانقلاب، بدعوى الحفاظ على وحدة النيجر، وعدم السماح بتفتيتها.

وقد أدان المجتمع الدولى ذلك الانقلاب، بشدة، وهو ما أعربت عنه مكالمة وزير الخارجية الأمريكى، أنتونى بلينكن، لرئيس النيجر محمد بازوم، التى أكد فيها دعم الولايات المتحدة له، ومطالبتها بالإفراج عنه، كما تشاور مع رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقى، موسى فقى، لبحث تطورات الأمور فى النيجر.كذلك عقد الرئيس الفرنسى، ماكرون، اجتماعاً للقوى الدفاعية الفرنسية، وطالب بالإفراج عن رئيس النيجر.

كما لوح عدد من زعماء تنظيم الإيكواس بتدخل عسكرى ضد قادة الانقلاب فى النيجر، وذلك فى أعقاب اجتماع لرؤساء أركان دول الإيكواس، وأمهلوهم أسبوعاً لإعادة النظام الجمهورى، وعودة الرئيس بازوم، علماً بأن منظمة الإيكواس هى منظمة اقتصادية مكونة من ١٥ دولة من دول غرب إفريقيا، وهى النيجر، ونيجيريا، ومالى، وبوركينافاسو، وبنين، وتوجو، وغانا، وساحل العاج، وليبيريا، وسيراليون، وغينيا، وغينيا بيساو، وجامبيا، والسنغال، والرأس الأخضر، بمجموع سكان يصل إلى ٣٨٥ مليون نسمة. وبعد انقضاء مهلة الإنذار، فى منتصف الأسبوع الجارى، فقد أعلن زعماء دول الإيكواس عن اجتماعهم اليوم، لبحث تطورات الأزمة، وتقرير الخطوات التالية لبلادهم بشأنها.

من جانبهم، أعلن قادة الانقلاب، فى النيجر، تحذيرهم بأن أى تدخل عسكرى، سوف يجابه برد عسكرى فوري.

كما أعلنت سلطة الانقلاب إيقاف جميع المعاهدات مع فرنسا، مع تعليق صادراتها من اليورانيوم، مما يعتبر ضربة قوية ضد فرنسا، التى تعتمد مفاعلاتها النووية البالغ عددها ٦٥ مفاعلاً نووياً، بصورة شبه كاملة، على يورانيوم النيجر، عن طريق شركة إيفا الفرنسية، المحتكرة لكامل إنتاج اليورانيوم فى النيجر، منذ عام ١٩٧١ ، ولم ترفع أسعاره منذ ذلك الوقت.

وعلى الطرف الآخر أعلنت فرنسا أن ذلك القرار باطل، باعتباره لم يصدر من القوة الشرعية، المُعترف بها دولياً، للبلاد ويقصد بها رئيس الدولة محمد بازوم، فى نفس الوقت الذى بدأت فيه بإجلاء رعاياها من النيجر، حفاظاً على سلامتهم.

ومن ناحية أخرى حذرت السلطات فى كل من بوركينا فاسو، ومالى، فى بيان مشترك من أن أى تدخل عسكرى فى النيجر، لإعادة الرئيس محمد بازوم إلى الحكم، سيكون بمنزلة إعلان حرب على البلدين، كما أن أى محاولة للتدخل العسكرى ستؤدى إلى انسحاب الدولتين، بوركينا فاسو ومالى، من المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا.

كذلك أعلن المجلس العسكرى فى غينيا معارضته للتدخل العسكرى فى النيجر، أو توقيع أى عقوبات اقتصادية عليها، وفى السياق نفسه، أعلن مجلس الشيوخ فى نيجيريا رفضه لأى تدخل عسكرى، وقامت نيجيريا بقطع الكهرباء عن النيجر. ورغم أنها ليست عضواً فى منظمة إيكواس، إلا أن الجزائر أعلنت رفضها تدخل أى قوات أجنبية فى النيجر.

وقد اعتمد عدد من تلك الآراء الدبلوماسية فى رفضه للتدخل العسكرى، على أنه عمل يقتضى موافقة مجلس الأمن، مثلما حدث من قبل سواء لتحرير الكويت من الاجتياح العراقى، أو الهجوم على ليبيا لإزاحة القذافي. جدير بالذكر، أنه يوجد على أرض النيجر حوالى ٣٢٠٠ جندى، منهم ١٥٠٠ جندى فرنسى، و١١٠٠ جندى أمريكى، و٣٠٠ جندى إيطالى، و١٠٠ ألمانى، و٢٥٠ جنديا من دول الاتحاد الأوروبى، بالإضافة إلى قاعدة جوية أمريكية، لتوجيه الطائرات ضد العناصر الإرهابية، وقد طالبت قوة الانقلاب العسكرى برحيل القوات الأجنبية، إلا أن دولهم رفضت، لأن القرار لم يصدر من القوى المعترف بها للبلاد.

ومن وجهة نظرى، فإن أبرز كوارث ذلك الانقلاب، والتوتر الحادث فى دول غرب إفريقيا، تتمثل فى احتمالات استعادة نشاط الإرهاب الدينى المتطرف، متمثلاً فى تنظيم القاعدة، ومنظمة بوكوحرام، اعتماداً على غياب القوات المسلحة النظامية، القادرة على التصدى له، بل سيمتد نطاق عملياتهم الإرهابية إلى باقى دول إفريقيا، فى ظل ما أكدت عليه، مراراً، من أننا نعيش فى زمن الأوانى المستطرقة، بمعنى أن أى حدث فى مكان ما، تنعكس آثاره على باقى مناطق العالم، ولنا فى الحرب الروسية- الأوكرانية عبرة.