بقلم الكاتب الصحفي / حمدي رزق
للأديب الفرنسى الرومانسى «فيكتور مارى هوجو» مقولة نادرة المثال: «التشاؤم هو تسوس الحياة»، وفى معجم اللغة العربية، مُتَشائِم فاعل مِنْ تَشَاءمَ، والمُتَشائِمُ بمعنى المتَطيِّر هو مَن يسىءُ الظنَّ بالحياة، وشأَم قومَه جرَّ عليهم الشُّؤْمَ، النَّحْس، ورَجُلٌ مشؤوم، رجل أينما حلّ لا يتفاءل الناسُ بقدومه.
عجبًا من العجب العجاب، ما إن أشرقت شمس الحياة بعد جائحة مميتة، أهلكت البشرية، وكلفتها أرواحًا طيبة، حتى أظلمها مجددًا في وجوهنا المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، «تيدروس أدهانوم جبريسوس»، أخشى أن يكون (هو) مَن يسىءُ الظنَّ بالحياة.
متشائمًا، قال: «يجب على العالم أن يكون مستعدًا لتفشى وباء (أشد فتكًا) من (كوفيد- 19)..»، نفثها كـ«حُمّة»،
(مفرد حُمَم)، نفث الرَّماد في الهواء، والحُمَمُ كلٌّ ما احْترق من النار، نفثها في وجوه حضور اجتماع صنع القرار السنوى للدول الأعضاء في منظمة الصحة العالمية، البالغ عددها 194 دولة في جنيف.
سوّدها في وجوهنا ومضى إلى حال سبيله، جد صرت قلقًا مبلبلًا بعد نبوءة «تيدروس»، عاد رهاب الفيروس يقض مضجعى، إحساس دفين أن «تيدروس» يستهدفنى شخصيًّا بكلماته، كلما هدأت نفسى وسكنت مخاوفى، واشتعلت روحى بجذوة الأمل في خلاص البشرية من الجوائح، أعادنى «تيدروس» إلى نقطة الصفر نفسيًّا.
يُذكرنى «تيدروس» ببيت شعر لطيب الذكر «صلاح عبدالصبور»، في رائعته الخالدة «يوميات نبى مهزوم يحمل قلمًا»، يقول: «انفجروا أو موتوا.. لن ينجيَكم أن تعتصموا منهُ بأعالى جبل الصمت.. أو ببطون الغابات..»، خلاصته «رعبٌ أكبرُ من هذا سوف يجىء».
لا أعرف مدى ثقافة تيدروس العربية ليفقه المعنى الكامن في بطن الشاعر، كتبت قبلًا، ولازلت أعتقد أن منظمة الصحة العالمية ومديرها الإثيوبى لا يعرفان طريق التفاؤل أبدًا، منظمة عابسة ومديرها مشمئنط، وبياناتها يلونها تشاؤم، وقنوط، تحض على الانتحار يأسًا.
تيدروس يستحق لقب «المُتَشائِم»، سِيَّما أن نبوءته مفترض تقوم على دليل علمى طبى موثق، وليس تكهنات، أخشى أن تُضم نبوءته إلى مثيلاتها من نبوءات العرّافين حول العالم، العراف الإثيوبى يتأبّط شرًا.
فلتفرد المنظمة الكونية وجهها الكئيب، فليبتسم «تيدروس» وهو يقذف بنبوءاته في وجوهنا، المنظمة في حاجة ماسّة إلى وجه مريح، متفائل، يبشر بالخير
تحس بأن منظمة الصحة العالمية مريضة نفسيًّا، منظمة المحبطين، وجوه منتقاة من كوكب عبس، لا يكفون عن إحباط البشر ويتولون عند الغوث، متسلطين علينا.
مجرد أن تفتحت مسامّ البشرية استشرافًا للأمل، حبًّا في الحياة، يدهمنا «تيدروس» بنبوءته السوداء، وكأنه يقود عربة الموت على طريق سريع.
يقول انتظروا فيروس آخر أشد فتكًا، لسان حاله يُغنى عن بيانه الكئيب، «تيدروس» يعانى «رهاب الوباء»، سدَّ عليه منافذ الأمل، كل ما ينام هنيهة يصحو ملتاعًا، قلبه واجف، وعطشان، ويهذى بالوباء المنتظر، أخشى أن روحًا شريرة تلبّست مدير المنظمة، لا تصدر عنه أبدًا بارقة أمل.
المنظمة الكونية تحتاج إلى نقلة معنوية، من مرحلة الإحباط والتحبيط إلى مرحلة إشاعة الأمل، أقله «تتشاءل» على طريقة طيب الذكر، الروائى الفلسطينى الجميل، «إميل حبيبى»، في رائعته الروائية، «الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبى النحس المتشائل».. والكلام إلِك يا جارة.. إلى المتشائم دومًا ودائمًا «تيدروس أدهانوم جبريسوس»!.