بقلم الكاتب الصحفي / حمدي رزق
ليس بجديد الظهور الرصين للوزير أحمد أبوالغيط، الأمين العام للجامعة العربية، ترؤسًا لفعاليات القمة العربية بجدة.
بالسوابق يُعرفون، أبوالغيط، مع حفظ الألقاب والمقامات، خبرة دبلوماسية عريضة، من رموز مدرسة الدبلوماسية المصرية العريقة، عركته القمم، دربته فى تجاوز المسالك والدروب السياسية، مكّنته من تجاوز الحواجز المصطنعة وصولًا إلى قمة عربية جرَت مياهها هادئة رغم ما أحاط بها من عكوسات سياسية مقلقة قبيل انعقادها.
أبوالغيط يملك طاقة متجددة على العمل السياسى فى المحيط العربى، أقرب إلى أشغال سياسية شاقة، نجح وطاقمه فى إنجاز فروض القمة العربية كاملة، ومن فروضها عودة الشقيقة سوريا إلى حضنها العربى.
حضور الرئيس السورى «بشار الأسد» لأعمال القمة برهان على نجاح قمة جدة فى إنجاز مقرراتها التى صاغها وزراء الخارجية العرب فى اجتماعاتهم المكثفة تحت سقف الجامعة زمنًا ليس بالقصير، وجهدًا متواصلًا ليس باليسير.
بيان القمة لم يغادر شواغل الأمة العربية جميعًا، ووقف على حروف أزماتها المزمنة والسارية، من المحيط إلى الخليج، وصولًا إلى التخوم العربية فى تماسِّها مع محيطها الإقليمى والدولى.
حضور الرئيس الأوكرانى «فولوديمير زيلينسكى» القمة مخاطبًا الجمع العربى، بعد سماع وجهة النظر الروسية لمرات سبقت القمة، يؤشر على نقلة دبلوماسية عربية واثقة، تبرهن على ثقل المجموعة العربية التى يخطب ودها طرفا الصراع.
صوغ بيان القمة شغل دبلوماسى رفيع المستوى، كيف توفق حرفا وكلمة وجملة بين وجهات وتوجهات ومواقف 22 دولة لكل شخصياتها الدبلوماسية، كيف تجمع المواقف الـ22 وتصوغها فى موقف واحد، الكل فى واحد، يتحدث بلسانهم بيان واحد بلسان عربى مبين.
كان التحدى ماثلًا، والخشية تراوح مكانها، والمروق من فخ التناقضات العربية فى خضم عاصف يحتاج إلى ربان ماهر، ذى خبرة فى الإبحار فى بحر العواصف.
الجامعة العربية تجدد حضورها فى الشارع العربى، وترسم ملامح دورها فى المستقبل القريب فى سياق أزمات مصيرية تهدد أقطارًا عربية، ومصائر شعوب عربية مأزومة.
الجامعة مؤهَّلة للعب دور فى تفكيك الخناق من حول سوريا، وتبريد الحالة السودانية وصولًا إلى اتفاق بين
«الإخوة الأعداء»، ورأب الصدع الليبى بين الشرق والغرب، ولجم الخلاف اليمنى، وإنقاذ لبنان من وهاد الجدال الطائفى، ورفد القضية الفلسطينية بمدد عربى كافٍ للصمود فى وجه آلة الاحتلال الإسرائيلى المتغطرس.
وصولًا إلى تفاهمات عربية توفر الحد الأدنى من التوافقات العربية لطرح صيغ حلول عربية تتوقى ويلات التدخل الأجنبى فى الأزمات العربية، وهذا نهج الرئيس السيسى فى كلمته التى حملت معانى سامية عربيًّا.
أبوالغيط والذين معه اغتنموا الفرصة التى سنحت فى قمة جدة ليسجلوا حضورًا دبلوماسيًّا لافتًا، ونافيًا لكل ما شاع عن تراجع دور الجامعة فى الحالة العربية، واستعادة موقعها عالميًّا، كمركز سياسى لوجستى لمخزون الإرادة العربية، ما يرشحها للعب دورها التاريخى الذى عُرفت به وكان عنوانها فى فترات المد القومى.
صحيح العنوان (عنوان الجامعة) جرَت عليه تغييرات عميقة فى ظل متغيرات عربية وإقليمية وعالمية عاتية، ولكن يظل «العنوان الرئيس» لكل العرب، خلاصته الجامعة العربية المحل المختار لقمة القرار العربى.