بقلم الكاتب الصحفي / حمدي رزق
أجازت لجنة الألفاظ والأساليب بمجمع اللغة العربية كلمة « التأبيدة » بمعنى الحكم على شخص بالسجن مدى الحياة، وقد كان وجه الاعتراض عدم ورودها فى المعاجم العربية.. أما وجه الإجازة فهو أن التأبيدة من الفعل «أبَّد».
ويقال أبَّد الشىءَ بمعنى خلَّده، وتتميز الكلمة السابقة على وزن (تفعيلة) بكثرة الاستعمال وبالصحة اللغوية، والاختصاص بدلالة اجتماعية اكتسبتها من ممارسات الناس فى حياتهم الاجتماعية وتفاعلاتهم اللغوية اليومية.
وكان المجمع أجاز أخيرًا لفظ «اسْتَعْبَطَ»، ولفظ «بَرْطَمَ»، وقال المجمع، فى بيان للعامة، إن «بَرْطَمَ فلانٌ»، هو تعبير يعنى أن شخصا ما يتحدَّث بطريقة غير مُبينة تدل على الغضب.
أنا فى عرض المجمع اللغوى.. مجدداً وسبق أن طالبت ملحًا، أفتونا أفادكم الله فى كلمة «فشيخ» التى تسللت إلى قاموس الشباب المصرى الناهض، فصار كل «فشيخ» يعنى استثنائيًا، فوق العادة.
وبمعونة مِنِّى صادقة، بحثت عن الجذر اللغوى لـ«الفشيخ»، هذا الذى يتردد على الألسنة آناء الليل وأطراف النهار، واجتهدت فعليًا، وتوفرت وقتيًا على تقفى أثر هذا اللفظ الذى شاع..
«فشيخ» لغويًا صار لفظًا مستساغًا ليس مستغربًا ولا مستهجنًا. «فشيخ» للعجب العجاب صار وصفًا مستحبًا يجرى على ألسنة الشباب، فالكومنت صار «فشيخًا»، والبوست الفشيخ، والكتاب الفشيخ، وهكذا دواليك فشيخ، فشيخ، فشيخ، حتى الشيبسى صار فشيخًا بمعنى حار جدًا بالشطة والليمون!.
وإنه لأمر فشيخ، فى معجم المعانى الجامع فَشَخَ كفعل تتوالد على هذا النحو الأرانبى، فشَّخَ يفشِّخ، تفشيخًا، فهو مُفشِّخ، والمفعول مُفشَّخ- للمتعدِّى، فَشَخَ فلاناً : صَفَعه ولَطَمه، وفشَّخ الرَّجلُ بمعنى فشَّخ الرَّجلُ رِجْليه وتعنى أرخى مفاصلَه.
يقينًا، شبابنا يقصدون فى معاجمهم اللغوية معنى آخر، فكل شىء وأى شىء عندهم صار فَشَّيخًا، الفشيخ صار منتهى الأمر وذروته، وما يصعب تخيله وفوق الاستطاعة، ويوثق المشكوك فى أمره معناه بالفشيخ، صفة أو فعلًا فهو فشيخ، وعليك أن تتخيل الباقى يا فصيح.
خلاصة البحث؛ الفشيخ هو الخارق للعادة الذى يلفت الأنظار، وأصلها من كلمة فشخ بمعنى جدًا، ويقال فلان فشيخ يعنى أنه رائع جدًا، والفشيخ شعبويًا سيئ المعنى، وأشك أن من يتداولونه اليوم سيئ الطوية.
للأسف، مفردة من مفردات لسان تربى على التوليد اللغوى المهجن فى الحارة المزنوقة، جيل عجيب وهذه لغته، ليس مهمًا أن تستملحها، أفهمها على عِلّاتها، ولا تفعل مثلى بحثًا عن جذرها اللغوى.
ليس هذا الذى هو كائن فى المعاجم كالوسيط، يشرح ما خفى من معانٍ لهذه المفردة الشاذة لغويًا، وسيحيلك «لسان العرب» إلى معانٍ لا يقصدها أبدًا .
هؤلاء العفاريت استولدوا لغة خاصة أقرب للشفرات هروبًا من المتلصصين من بيض الرؤوس الذين تصعقهم الصاعقة إذا ألقوا السمع إلى هؤلاء إذا تحدثوا.
ولا تستغرب ذوق جيل، وما يتترى على ألسنتهم من قبيل الكومنت الفشيخ. تخيل حصاد الكومنت الفشيخ أو البوست الفشيخ من المشاهدات واللايكات والكومنتات، كومنتات فشيخة على بوست فشيخ من شاب يفشخ لغويًا، اللغة العربية تتعرض لفشخ لغوى فشيخ!.
فشيخ تصلح لكل الأجواء، فالسيارة سريعة فشخ، والكتاب فشيخ، والكاتب الذى يراود القراء عن عقولهم.. فشيخ، ويقال كاتب فشيخ، زمان كان وصفه الكاتب الكتوبة، علمًا بأن مهما أجدت الكتابة فلن تكون فشيخًا.
لأن أذواق هؤلاء تحكم أحكامهم الفشيخة، كيف تنتمى لغويًا لجيل المازنى والعقاد وطه حسين وتكون فشيخًا، الفشيخ هو ابن جيله الفشيخ.. وسلامٌ على روح الجهبذ اللغوى عبدالفتاح القصرى.