بقلم الكاتب الصحفي / حمدي رزق
يقينى، لو كان الشيخ «محمد متولى الشعراوى»، الله يرحمه، حيًّا يسعى بين الناس، لرفض عرضًا مسرحيًّا يجسد شخصيته، ويروى سيرته، سيرة إمام الدعاة (هكذا يلقبونه).
الشيخ الشعراوى المتوفى قبل ربع قرن (١٧ يونيو ١٩٩٨)، صار حديث الناس مجددًا، بعد مقترح بعرض مسرحى ضمن مشروع مسرحى رمضانى لوزارة الثقافة.
ابتداء، أتحفظ تمامًا على الإساءة المجانية للشيخ الراحل في سياق رفض العرض، من حقك ترفض العرض جملة وتفصيلًا، ولكن لا تجرح مشاعر مريدى الشيخ ومحبيه، وهم كثر.
وأنا من الرافضين للعرض، وحقى في الرفض محفوظ، ولأسباب لا أصدم بها مشاعر مريديه، وخشيتى من الخشية المشروعة، غدًا أو بعد غد يأتى أحدهم بفكرة عرض مسرحى يجسد سيرة إمام الإرهاب «حسن البنا»، الطريق مرصوفة جيدًا.
رفضى شخصى، خشية قسمة المجتمع دينيًّا، سيصير السؤال لاحقًا : ولماذا لا يُقدم عرض يروى سيرة البابا شنودة، قدس الله روحه؟، تلك قسمة ضيزى (ظالمة)، أفضل في السياق الوطنى ما هو وطنى على ما هو دينى، التحزب الدينى جد خطير على منعة هذا الوطن.
ورغم التحفظ أعلاه، لا أصادر على فكرة العرض، وسبق أن جسد الفنان «حسن يوسف» شخصية إمام الدعاة تلفزيونيًّا، ونال مدحًا وقدحًا، ولم يصادره أحد!.
رفضى لا يعطينى حق مصادرة حقوق مَن يتشوقون إلى رؤية الشيخ الشعراوى مجسدًا على المسرح، حقهم، إمامهم ويستلهمون من خواطره خواطرهم، ويطل عليهم تلفزيونيًّا كل يوم جمعة، وبصوته بعد كل أذان.
من المغالطات المنطقية ما نسميه المصادرة على المطلوب، ومقصود بها عند الفلاسفة التسليمُ بالمسألة المطلوب البرهنةُ عليها من أجل البرهنة عليها، بمعنى التسليم بالمصادرة ابتداء.
المصادرة على المطلوب ما أخشاه، والمصادرة من عمل الشيطان، وإذا نجحت اليوم حملة مصادرة عرض الشعراوى، ولأسباب محفوظة على يوتيوب، فتحسّب من غدك، يا خوف فؤادى من غدى، توقع مصادرات لنجباء الأمة، ومصابيح التنوير، نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم وطه حسين، مع حفظ الألقاب والمقامات، ومجموع أعلام المحروسة سيطولهم سيف المصادرة البتار.
أَوْلَى من المصادرة نقد العرض، وحتى رفضه على أرضية وطنية وليست دينية، ولكن المصادرة من المنبع قضية خطيرة تمس حرية التعبير، وللأسف المصادرة هنا ليست فوقية، ولكنها مصادرة نخبوية، ويا ويل أمة تتورط نخبتها في فعل المصادرة، وكأنهم يصادرون على أنفسهم مستقبلًا.
شخصيًّا، أتوق إلى قراءة النص من منطقة رفض، ومشاهدة المعالجة المسرحية من أرضية رفض، وأتربص بالعرض وأمانته التاريخية مع رفض مسبق، وكيف ستجيب «المعالجة المسرحية» عن الأسئلة المسنونة وعلامات الاستفهام التي لاحقت مواقف الشيخ، الله يرحمه، وطنيًّا ودينيًّا وحتى علميًّا وطبيًّا؟.
بالمناسبة، الشيخ الشعراوى كان حاذقًا، وخشى أن يرفع خواطره إلى مقام تفسير القرآن، كان متحسبًا بذكاء فطرى في وصف اجتهاده بالخواطر.. أي ما جال في خواطره حول آيات القرآن الكريم.
إذن، خواطر الشيخ الشعراوى ليست نصًّا مقدسًا، ولا الشيخ زعم قداسة، والخواطر لغويًّا جمع خاطر، وهو ما يتحرك بالقلب من رأى أو معنى. ويُطلق على ما يقع في النفس من أشياء، وفى الأخير، هذا ما وقع في قلبى رفضًا، تحسبًا لمآلات المصادرة على المطلوب .