بقلم الكاتب الصحفي / محمد صلاح
تتجه أنظار العالم نحو مدينة شرم الشيخ في مصر لاستضافتها مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ “كوب 27″، والذي يشارك فيه قادة ومسؤولون رفيعو المستوى في الأمم المتحدة، كما يحضره آلاف النشطاء المعنيين بالبيئة من كل دول العالم. الفارق هذه المرة أنها المرة الأولى التي ينتظر فيها المصريون نتائج لمؤتمر قبل عقده وهم ينتظرون أن يفتح لهم آفاقاً واسعة نحو المستقبل، وأن ينير لهم بقعة ضوء كبيرة في نهاية نفق ظلوا فيه منذ ضرب الربيع العربي بلدهم في ٢٥ كانون الثاني (يناير) ٢٠١١ .
هم يعتقدون أن الطائر المصري الجريح ينهض وينمو من جديد أو قل إنهم نالوا الأمل في أن يحدث ذلك بعدما بقوا على مدى عقد كامل لا يرون إلا مشاهد الدمار والحرائق والعنف، ولا يسمعون إلا هتافات التظاهرات وصراخ الجرحى وأصوات قنابل الغاز أو عبوات المولوتوف، وأخيراً قنابل “الإخوان المسلمين” عند محوّلات الكهرباء وأبراجها وفي القطارات ومحطات المترو ووسط التجمعات السكانية. وبعدما استقرت الأوضاع الأمنية واختفت الانفجارات وتوارى صوت القنابل والرصاص وجدوا أنفسهم يواجهون أزمات حياتية ويسددون ثمن إصرارهم على إسقاط “الإخوان” وصمودهم في وجه مخاطر هددت وحدة وطنهم وضربت اقتصادهم.
وأولت الحكومة المصرية اهتماماً بملف التغيرات المناخية، وجرى تشكيل مجلس أعلى للتغيرات المناخية برئاسة رئيس الحكومة الدكتور مصطفى مدبولي وعضوية الوزارات المعنية، وتشكيل كيانات مؤسسية داخل كل وزارة تُعنى بالقضية، فضلاً عن تطوير مشاريع توليد الطاقة من مصادرها المتجددة والنظيفة، سواء الطاقة الشمسية أم طاقة الرياح أم الطاقة الهيدرولوجية.
صحيح أن بعض الاقتصاديين يعتقدون أن استثمارات ضخمة ستتدفق على مصر نتيجة للمؤتمر وترسيخ ثقة العالم في استقرار الأوضاع فيها، لكن المهم أيضاً أن المصريين يراهنون على فشل محاولات “الإخوان” التأثير في المؤتمر ونشر الفوضى والتظاهر والاعتداء على مراكز الشرطة بالتزامن مع المؤتمر وفاعلياته، خصوصاً أن المواطن المصري لم ينسَ بعد مشروع النهضة “الإخواني” الذي كان أعده نائب المرشد خيرت الشاطر وأعلنه محمد مرسي مبشراً المصريين بأن أحوالهم في المستقبل ستنصلح وأن الرخاء سيسود وأن التنمية ستغطي ربوع البلاد، ذلك المشروع الذي لم يكن له أي تفاصيل أو أرقام أو تواريخ لتنفيذه، وحينما وجد “الإخوان” أنفسهم أمام إلحاح وأسئلة متكررة دفعوا بمرسي ليشرح تفاصيل المشروع فزاد الطين بلّة حين أوضح أنه عبارة عن طائر له رأس ومقدمة وجسم وجناحان ومؤخرة، ما أثار ضحك المصريين الذين حولوا طائر النهضة “الإخواني” إلى مادة للسخرية والتهكم بل وأحياناً للخجل!
في بلد يتجاوز عدد سكانه المئة مليون نسمة تصبح ظاهرة الجدل حول حدث كبير كقمة المناخ أكثر سخونة، وساهم ما جرى في ٢٥ كانون الثاني (يناير) ٢٠١١ في تحفيز الجميع على أن يدلوا بدلوهم في ما يخصهم أو لا أو يهمهم أو لا، أو يعرفون عنه أو هي المرة الأولى التي يسمعون به. ارتفعت طموحات الناس، ليس للمساهمة والدخول في كل نقاش، ولكن ليفرضوا آراءهم ومواقفهم على الآخرين، وبعدما كان البعض يتحدث عن لجان إلكترونية تابعة لـ”الإخوان”، فإن الأمر يبدو الآن وكأن كل مواطن أصبحت له لجانه الإلكترونية الخاصة ليتفرغ لملاحقة وسائل الإعلام، أو الظهور فيها، أو الحديث الهاتفي لها، أو العيش في مواقع التواصل الاجتماعي بحسابات متعددة ليقول رأيه، ثم يدعمه بالإيحاء بأن آخرين يؤيدونه، ثم في مرحلة لاحقة ليفرضه على الجميع.
ولأن الإعلام الرسمي “بعافية”، والأجهزة التنفيذية تكاد تفقد القدرة على التواصل مع الناس، فإن كل مسؤول وجد نفسه دائماً في موقف الدفاع عن نفسه وسياساته والمهام التي يتولاها بعد كل قرار أو تصريح أو تصرف أو إجراء، نتيجة للحملة التي ستُشن ضده، ولأن الإعلام الخاص صار جزءاً من معادلة السلطة فإنه لم يسهم في ترشيد الحالة وإنما ساهم في تأجيجها، وبدلاً من أن ينتقي ما يقدمه للناس على أسس مهنية، وأبسطها الصدق والموضوعية، تنافس على نسب المشاهدة وأعداد القراء بمزيد من الشجار العلني أو حتى الشتائم وافتعال المعارك أمام الكاميرات.
الحملة التي يتبناها تنظيم “الإخوان المسلمين” الإرهابي ضد مؤتمر المناخ تحولت الى هيستريا للمغالطات وصرعة للجهل وشبق للظهور وجد ضالته في مواقع إلكترونية أدمنت الكذب، وقنوات فضائية غلَّبت المصالح أو القناعات العقائدية، وصحف تعاني أمراض الضحالة المهنية، ونشر “الإخوان” فيروس الإدعاء وامتلاك الحقيقة وغياب العقل، وتحول كل عنصر منهم الى إعلامي وخبير ومحلل استراتيجي، وصار الجاهل عالماً من دون علم، وأصبح الأخرق صاحب نظريات ومالكاً لوثائق وخرائط وكاشفاً لحقائق ومنقباً عن أسرار.
هو الأسلوب نفسه الذي اتبعوه منذ انطلاق الربيع العربي عندما وزعوا فتاواهم في الأسعار والخدمات والتعليم والمرور وأحدث وسائل العلاج والطب الجديدة، وعدم جدوى قناة السويس الجديدة، ومضار العاصمة الإدارية الجديدة، وقلة الفائدة العائدة من مشاريع الطرق والإسكان.
أما إذا كان الأمر يتعلق بقضية إقليمية فهم أصحاب النظريات الاستراتيجية في موازين القوى، تماماً كما موازين الخضروات واللحوم، وإذا كان التطور متعلقاً بقضية محورية كـ”سد النهضة” الإثيوبي أو مؤتمر المناخ فهم خبراء سدود ومتخصصون في المياه والصيد فيها وعلماء في الفلك والطقس والتصحر والأمطار والسيول، وهم بالطبع أصحاب رأي صائب في علاج الأوضاع مع الدول الأخرى، ومتخصصون في فهم حقائق العلاقات مع دول الخليج، كما أن عروبتهم تمنحهم صك الحقيقة في شأن الموقف المصري من سوريا وليبيا والعراق وجزر المالديف، ومن دون أن تسألهم عن سيناء هم يبادرون الى طرح الحلول للإرهاب والتنمية والتعامل مع القبائل تماماً كما يفتون في الدين وصحيح البخاري وفقه السنّة والمد الشيعي، ولا يتأخرون إذا كانت القضية علمية معقدة فهم من الأساس أصحاب عقليات معملية فذة! مثلما هم متدينون بطبعهم ووثائقيون بحكم نشأتهم واشتراكيون ثوريون بحكم انتماءاتهم وليبراليون متحررون بحكم التطور الطبيعي للإنسان!
مرة أخرى قد يتحقق كل أو بعض الآمال والطموحات المرتبطة بنجاح قمة المناخ أو قد تتعثر بعض المشاريع أو تتعطل بعض الطموحات بفعل عوامل إقليمية أو دولية أو أزمات داخلية، لكن الحقيقة التي لا تقبل الجدل أن المصريين يشعرون بأمل في المستقبل، وأن المناخ العام مختلف جذرياً عن مناخ طائر النهضة!