بقلم الكاتب الصحفي / محمد صلاح
تنطلق اليوم في الجزائر فعاليات القمة العربية بنسختها الحادية والثلاثين، بمشاركة قادة عرب، في ظروف صعبة ومعقدة تشهدها المنطقة والعالم.
وتأتي القمة بعد توقف نحو ٣ سنوات بعدما كان مقرراً عقدها في آذار (مارس) ٢٠٢٠، إلا أنه تم تأجيلها بسبب جائحة كورونا. وهي القمة الرابعة التي تستضيفها الجزائر، وكانت الأولى في تشرين الثاني (نوفمبر) ١٩٧٣، فيما كانت الأخيرة عام ٢٠٠٥.
وعقدت آخر قمة عربية اعتيادية في تونس عام ٢٠١٩، وهي القمة العربية الدورية الثلاثون التي شهدت مشاركة ١٣ زعيماً وترأسها الرئيس التونسي الراحل الباجي قايد السبسي.
وعلى طاولة الزعماء في قمة الجزائر موضوعات مهمة كالقضية الفلسطينية وأزمة المناخ والإرهاب والأمن الغذائي والطاقة والتضامن العربي في مواجهة الأزمة الاقتصادية، فضلاً عن الأزمات في سوريا واليمن وليبيا.
السؤال المنطقي الذي يطرحه الناس: هل تستطيع القمة العربية أن تعالج أمراض النظام العربي وجراحه؟ الإجابة المتوقعة المنطقية ستكون بالنفي، فحال العرب الآن أسوأ من أي وقت مضى، ليس فقط بسبب التطورات الخطيرة على الساحة الدولية، ولكن لأسباب تتعلق بالعرب أنفسهم، فحين كانت العلاقات العربية – العربية طيبة وطبيعية، كانت القمم العربية تخرج بقرارات وتوصيات لا تجد سبيلاً للتنفيذ، خصوصاً في شأن قضايا تتحكم قوى أخرى فيها، فما بالك الآن والعرب منقسمون بل وقل إن دولاً عربية نفسها مقسمة!
سيخفف من صعوبة الجلسة الافتتاحية مثلاً عودة القمة إلى الانعقاد! هناك معضلة تنظيم “الإخوان المسلمين” الإرهابي الذي يسعى إلى هدم النظام العربي ذاته، ومعه قوى وجهات تدعمه وتنفق عليه وتؤوي رموزه، إنها الجهات نفسها التي لا ترضى عن كل إنجاز في الوطن العربي، وتمتعض من كل قرار أو تصرف إيجابي يعود بالنفع على الشعوب العربية، وتسعى دائماً وبمنتهى “التفاني”، إلى نشر الفوضى وبث ثقافة العنف وتحقيق الخراب في المجتمعات العربية، وكذلك تبرير الإرهاب، وتسوّق في كل مناسبة لجماعة “الإخوان” وتبيّض وجوه رموز الجماعة وقادتها. جيّشت هذه الجهات الآلاف من عناصرها وعملائها، وصوّبت فوهات منصاتها الإعلامية تجاه القمة لإفشالها حتى قبل أن تعقد، لإفشال مناسبة هدفها الأساسي تحقيق الاستقرار وحفظ أمن الشعوب ومواجهة الإرهاب.
لا يبدو محور الشر مرتاحاً بالفعل، فالمنصات الإعلامية الإخوانية لم تتوقف أبداً عن الكذب والتلفيق وترويج الفبركات حول ما تدّعيه من تأثيرات سلبية أصابت الدول التي قررت مواجهة ذلك التنظيم الإرهابي، وتشكك دائماً في القدرات والإمكانات السعودية والمصرية والإماراتية خصوصاً، في إنجاز أي عمل ما بقيت مواجهة الإرهاب قائمة!
المسألة هنا لدى محور الشر تتجاوز الموضوعات التي ستناقشها القمة، إذ إن الخطاب الإعلامي لـ”الإخوان” يبرز إيران باعتبارها الدولة الراعية للإسلام، كما أن التحالف الإخواني الإيراني غير خاف عن أحد، بل إن رموز تلك الجماعة يفخرون بذلك النظام الإيراني، وبينهم من يوزعون صورهم مع قادة إيرانيين متهمين بارتكاب مذابح ضد العرب في العراق وسوريا وأماكن أخرى وهم يبتسمون، وكأنهم يبلغون العالم أن الحلف الإخواني الإيراني يتجاوز كل التناقضات الطارئة والمذهبية والفكرية، وأن مصالح الطرفين التي تلتقي مع جهات إقليمية ستدفع بالحلف إلى ممارسة الشر تجاه كل طرف يرفع لواء الدفاع عن استقرار المنطقة أو أمنها.
إذا كانت هذه هي الحال فما جدوى القمة؟ خصوصاً والنظام العربي لا يعاني فقط تناقضات جوهرية في أهداف عناصره وسياسات أعضائه، بل وصل إلى حد أنه أصبح يعاني أيضاً معضلات بالنسبة إلى الأمور الشكلية والبروتوكولية. لا تنخدع كثيراً بجدول أعمال القمة الذي يتضمن ملفات بالفعل مهمة كالقضية الفلسطينية التي هي دائماً بند ثابت في القمم العربية، وكذلك بالطبع الأوضاع في العراق واليمن وليبيا، إضافة إلى الملفات الأخرى الطارئة، خصوصاً موضوع الحرب الروسية – الأوكرانية وتأثيراتها، والتي سيتصدى لها الزعماء العرب وسيسعون إلى وضع حلول لقضية الإرهاب.
فليس سراً أن معظم المشكلات لم يعد للنظام العربي قدرة على حلها، وأن حلولها ليست في أيدي العرب. هل يمكن أن تحل مشكلة العراق من دون ضوء أخضر من إيران؟ هل تجد المأساة السورية نهاية من دون موقف لأميركا خصوصاً والغرب عموماً، إضافة إلى تركيا وإيران؟ هل تقوم الدولة الليبية الجديدة من دون موقف لأوروبا وروسيا وأميركا؟
في زمن سابق كانت الخلافات تتعلق غالباً بالمصالح، أو العلاقات مع القوى الكبرى، أو حتى النزاعات الحدودية، والآن صارت أيضاً أيديولوجية، ليس بين المذاهب فقط كالسُنّة والشيعة، كما الحال في العراق واليمن، ولكن أيضاً بين أصحاب المذهب الواحد، و”الإخوان” و”داعش” و”فجر ليبيا” و”أنصار بيت المقدس” نماذج طاغية على السطح في دول تحكمها أنظمة وتسكنها شعوب من السنّة. وحتى التحالفات الإقليمية داخل النظام العربي أصبحت أيضاً مهددة بفعل المواقف المتناقضة والسياسات المتعارضة.
على ذلك لا تتوقع أن تخرج القمة بحلول لقضايا تتجاوز قدراتها على حلها، وأقصى ما يمكن أن تحققه أن تُرسخ مواقف أطراف عربية مقتنعة بضرورة وجود النظام العربي ذاته مقابل أطراف أخرى لم تعد ترى في العرب أملاً، أو في النظام العربي فائدة، أو في الجامعة العربية رجاء.
وإلى حين أن تتبدل الظروف الداخلية والأوضاع الإقليمية والمصالح الدولية، سيبقى النظام العربي مهدداً ما بقيت دول بلا حكومات أو رؤساء أو جيوش… أو شعوب!