شعب مصر

مصر : الأخضر خارج الصندوق !

بقلم الكاتب الصحفي / محمد صلاح

الكاتب الصحفي / محمد صلاح
لا يهتم المواطن المصري البسيط كثيراً بالمفردات والمصطلحات المعقدة ذات العلاقة بالأزمة الاقتصادية، المهم عنده ثبات الأسعار دون ارتفاعها ومعدل التضخم دون توحشه ووجود السلع دون ندرتها أو اختفائها، لكنه في الوقت نفسه يدرك جيداً أن ارتفاع قيمة العملات الأجنبية، وخصوصاً الدولار الأميركي يعني إرتفاعاً في أسعار السلع والخدمات، وربما ندرة بعض السلع وهبوط قيمة العملة المحلية.
 
ذلك يفسر الاهتمام البالغ في الأوساط المصرية بإعلان الحكومة نيتها فتح باب استيراد السيارات الشخصية لمدة أربعة شهور للعاملين المصريين في الخارج وأصحاب الإقامات في الدول الأخرى وأن يسدد صاحب السيارة قيمة الجمارك والرسوم عليها بالدولار، على أن يسترد المبلغ نفسه بعد خمس سنوات بالعملة المصرية ووفقاً لسعر الدولار في السوق وقت الاسترداد.
 
وليس سراً أن تنظيم “الإخوان المسلمين” الارهابي وعناصره في أنحاء الأرض مارسوا (وما زالوا) حرباً طويلة لإسقاط الجنيه المصري وخفض قيمته في مواجهة العملات الأخرى، وفي مرحلة سابقة حوّل بعض رموز “الإخوان” من محترفي الإتجار بالعملات محلاتهم وشركات الصرافة التي يملكونها إلى أوكار أو مخازن أو مغارات، خزّنوا فيها العملات الأجنبية عموماً والدولار الأميركي خصوصاً، فيما وزَّع أعضاء الجماعة المتسرطنون في دول العالم، خصوصاً في الدول ذات الوجود الكبير للمصريين الذين يعملون خارج وطنهم، أنفسهم أمام محلات الصرافة والبنوك خارج مصر لاصطياد كل مصري يريد تحويل مبلغ ما إلى
 أهله، واقتناص كل مواطن يرغب في سداد قسط لشقة أو سيارة أو قطعة أرض، ولإغرائه بشراء الدولار منه بسعر يفوق بكثير سعره في مصر. وحين قررت الحكومة المصرية تعويم الجنيه وطرحه حراً في المصارف وشركات الصرافة أصيب “الإخوان” بصدمة، لكنهم سريعاً غيروا خططهم للرقص فوق جثث ضحايا إرهاب الجماعة والسعي بكل الطرق إلى إفقار الناس أكثر، والضغط على أحوالهم المعيشية أكثر وأكثر بتكثيف ترويج الأكاذيب حول السياسات الاقتصادية والمالية للحكومة.
 
كانت لازمة معرفة رأي خبير اقتصادي في القرار الحكومي المنتظر فسألت المحاسب القانوني شرين نور الدين وهو صاحب دراسات اقتصادية ومالية مهمة في شأن العملة المصرية، فاعتبر القرار عند صدوره “أول إجراء للسيطرة على سعر الجنيه يخالف الإجراءات التقليدية التي اتخذت على مدى سنوات طويلة”. وقال: “تعودنا على قرارات تضع الأعباء على المواطنين بفرض رسوم أو زيادة في أسعار الخدمات لرفع معدلات موارد الدولة، أو وضع قيود على الاستيراد لضبط حركة العملات الأجنبية، لكنها المرة الأولى التي يتم التفكير فيها في حلول خارج الصندوق تساهم في ضخ مبالغ مالية بالعملات الحرة الى أرصدة الدولة من دون وضع أعباء على المواطنين بل منحهم امتيازات بالحفاظ على أموالهم”، لافتاً الى أن “كل الأطراف ستنتعش وأولها سوق السيارات الذي تأثر بشدة حتى ارتفعت الأسعار فيه بشكل مبالغ فيه، وكذلك الدولة التي ستحصل على مليارات الدولارات وأخيراً المواطن الذي سيحصل على سيارة أتى بها من الخارج من دون أن يفقد القيمة المالية للجمارك عليها وإن ادخرها لخمس سنوات”.
 
 
ويظل الدولار معضلة كبرى في مصر، حتى أن الاستثمار في العملة الأميركية وشراءها وتخزينها ثم بيعها صار تجارة رابحة على مدى سنوات، وحتى البسطاء جداً الذين لم يروا دولاراً طوال حياتهم يسأمون من أحاديث الاقتصاد ومصطلحاته المعقدة لكنهم صاروا يتحدثون عن “الأخضر”، وهو الاسم الكودي الذي أطلق على الدولار ثم تحول لفظاً دارجاً بين رجال البزنس والمال والأعمال. ومع أزمات ومعضلات دولية من الوزن الثقيل كفيروس كورونا ثم الحرب الروسية – الأوكرانية اندفع الناس إلى الإسراع بـ”لمّ” الدولار وتخزينه و”تسقيعه”، وهو تعبير مصري آخر ظهر عندما كان رجال الأعمال يحصلون على أراضٍ من الدولة بثمن بخس، ويبقونها لفترة في حوزتهم ثم يبدأون عرضها للبيع بعد رفع أسعارها. جرى “تسقيع” الدولار، وإضافة إلى تجار العملة أصبح كثيرون يتاجرون به، فقفز السعر كل ساعة حتى صار من الصعب ملاحقته، وحين لجأت الدولة الى محاولة السيطرة بقرارات تتعلق بوضع أولويات للاستيراد من الخارج ووضع ضوابط على منح الائتمانات للمستوردين حدثت أزمات في سلع يتم استيرادها بالكامل أو بعض مكوناتها من الخارج ومن بينها السيارات.
يتوقع الخبير نور الدين أن يحل القرار أزمة استيراد باقي السلع، غير السيارات ومكونات الإنتاج من الخارج بعد أن يتوافر الدولار والعملات الأخرى لدى الجهاز المصرفي وأن تعمد الدولة الى تطبيق القرار لشهور أخرى بعد فترة في ضوء نجاح التجربة، لافتاً الى أن المصريين العاملين في الخارج لديهم الوعي الكافي للتعاطي مع الإجراءات التي تخدم مصالحهم وفي الوقت نفسه تحل مشكلات وأزمات لوطنهم.
 
في المقارنة بين سعر “الأخضر” وأحوال الاقتصاد ومستوى الأسعار والتضخم وتآكل العملة المحلية في عهدي السيسي ومبارك تبدو المخالفة واضحة، فالأول لم يتسلم الحكم من الثاني وإنما جاء رئيساً بعد ثورتين وأحداث صاخبة وفوضى وارتباك سياسي ومحاولات لهدم الدولة وكوارث ضربت الاقتصاد كالإرهاب وكورونا والحرب الروسية – الأوكرانية، ناهيك بحكم لجماعة سعت إلى “أخونة” الدولة على حساب أمنها واستقرارها واقتصادها وحياة شعبها.