شعب مصر

“الحضانات الصناعية” واستبعاد “المواهب” والكفاءات.. أورام الكرة المصرية السرطانية !

الكاتب الصحفي / دندراوي الهواري
الكاتب الصحفي / دندراوي الهواري

بقلم الكاتب الصحفي / دندراوي الهواري

منذ أن عرفت مصر لعبة كرة القدم، وهى تتميز بعناصر الموهبة فى ممارسة اللعبة، وأن اللاعب المصرى يتفوق على نظيره الإفريقى والعربى، بالموهبة الفطرية، والذكاء التكتيكى فى الملعب. وكان إنتاج هذه المواهب “طبيعيا” فى الساحات الشعبية والشوارع من خلال ممارسة اللعبة بالكرة “الشراب”، وسطرت المواهب المصرية مع المنتخب فى أوائل القرن الماضى نجاحات مبهرة، دولياً وقارياً، ووصل منتخب مصر لنهائيات كأس العالم فى إيطاليا ١٩٣٤.

واستطاع حينها المنتخب بعناصره الموهوبة، لفت الأنظار.

واستمر الإنتاج الطبيعى للمواهب، وكان الكشافون، يجوبون شوارع القرى والمدن بالمحافظات المختلفة، فى عملية فرز حقيقية ومبكرة،  للمواهب، والدفع بهم للأندية الكبرى، الأهلى والزمالك والإسماعيلى. كما شكل عنقود المواهب العمود الفقرى لأندية مثل الأولمبى السكندرى، والاتحاد، والمحلة، والترسانة، واستطاعت هذه الأندية الفوز ببطولات محلية، سواء كانت “دورى أو كأس”.

ورغم هذه المواهب الرائعة والمبهرة، إلا أنها كانت تفتقد للعقلية الاحترافية، بجانب الفشل فى استثمارها وتوظيفها وثقلها، صحياً وبدنياً وتكتيكياً ، لتتبوأ مكانتها اللائقة عالمياً ، بالإضافة إلى الإصرار العجيب للأندية المصرية على التمسك المفرط بلاعبيها وعدم السماح لهم بالاحتراف الخارجى، مبكرا، والقلة التى أتيحت لها فرص الاحتراف، لم يستطيعوا التأقلم مع الغربة، والأجواء فى الملاعب الأوروبية.

وعندما قرر المعنيون على كرة القدم، تطبيق الاحتراف فى مصر، عقب نصائح الكابتن محمود الجوهرى، كان التطبيق سريعاً ، فى الأمور التعاقدية والمالية، بينما ظلت عقول عناصر اللعبة جميعها هواة، رغم ما سطرته المواهب من نجاحات كبيرة، ظهر جلياً فى فوز منتخب مصر ببطولة أمم إفريقيا ثلاث مرات متتالية ٢٠٠٦  و ٢٠٠٨ و ٢٠١٠ واستطاعت العناصر المحلية الموهوبة فطرياً ، من قهر عمالقة المنتخبات الإفريقية والعربية، والتى تضم نجوماً يلعبون فى أكبر الأندية الأوروبية.

لكن التحول الكبير فى لعبة كرة القدم المصرية، عندما افتقدت المعايير الفنية، وتوارت الكفاءات، وبدأت مرحلة “تصنيع” مواهب، فى “أكاديميات” عبارة عن “حضانات” هدفها تحقيق مكاسب وأرباح، فقط، وأعطى الجميع ظهره للمواهب “الفطرية الطبيعية” فى الشارع والساحات الشعبية ومراكز الشباب، وكانت النتيجة، أن “الحضانة الصناعية” المتمثلة فى الأكاديميات، فشلت فى الدفع بمواهب حقيقية، فشلاً مروعاً ، ولم يبرز موهبة واحدة، طوال ما يقرب من ٢٠ سنة الأخيرة.

“الحضانات الصناعية” أيضا فشلت فى تصنيع كفاءات إدارية فى الأندية والاتحادات، لأن قواعد الاختيار مبنية على الأسماء المشهورة فقط، دون معايير القدرات العلمية والكفاءات الإدارية، بجانب أن المدربين المصريين، جميعهم من طينة واحدة، طينة تقليدية، رافضة للتعلم والسفر للمعايشة والحصول على دورات تدريبية معترف بها من الفيفا. ونسأل من هو رئيس النادى الحاصل على الماجستير أو الدكتوراه فى علم الإدارة، وما هى الدورات التدريبية التى حصل عليها، بجانب المعايشة فى أكبر الأندية الشهيرة، للاضطلاع على أحدث أساليب الإدارة؟، من هو رئيس اتحاد أى لعبة من اللعبات الرياضية حاصل على المؤهلات العلمية التى تمكنه من التطوير ووضع الخطط للنهوض باللعبة التى يديرها؟، الإجابة مؤلمة، فلا يوجد إدارى واحد يمتلك أدواته، الغالبية العظمى، تعتمد على الشهرة، فقط يكفى أن تكون لاعباً شهيراً ، لتصير إدارياً ، حتى ولو كنت أمى القراءة والكتابة، علاوة على القلة من الدخلاء على الساحة الرياضية، دون النظر للسيرة الذاتية له، والتى تضم الشهادات العلمية، والمهارات الإدارية والكفاءة المهنية!

“الحضانات الصناعية” لا تُفرخ لاعبين موهوبين، أو كفاءات إدارية، وإنما المواهب الفطرية الطبيعية، والمهارات المهنية، تثقلها الدراسة، والاحترافية والنظام الصارم، فاللاعب عليه أن يلتزم بنظام صحى وبدنى قاسٍ، وعقلية إحترافية، والإدارى الناجح، عليه أن يتسلح بالعلم ومواكبة كل ما هو حديث فى العمل الإدارى، والقدرة على التطوير ووضع الخطط الواضحة للمساهمة فى النهوض باللعبة التى يديرها، وأن يكون سخى العطاء، حاسم القرار! .