شعب مصر

يا رب تبارك وتزيده

ليس مهضومًا أن يصل إلى صوامع الحكومة ثلاثة ملايين ونصف المليون طن فقط لا غير، والإنتاج يربو على الضعف

بقلم الكاتب الصحفي / حمدي رزق

فقط مَن يتجرأ على المضى قدمًا يستطيع أن يبلغ مبتغاه، حلم الرئيس فى «توشكى» بإنتاج خمسة ملايين طن قمح سنويًّا ممكن، وهل من مزيد (حاليًا إنتاجنا ٣.٥ مليون طن، والتوجيه الرئاسى مستهدف إنتاج ١.٥ مليون طن إضافية وضرورية وعاجلة).

متغزلًا فى الفلاح، غنى عبدالوهاب من كلمات حسين السيد للقمح، «القمح الليلة»، ومنها نقتطف «يا حليوة أرضِك رعيتيها والنظرة منك تحييها/ من شهدِك كنتِ بترويها والخير أهى هلّت مواعيده/ يا رب تبارك وتزيده».

فى القاموس الفلاحى الشفاهى، «الفِلاحة مناحة»، أى تعب وشقاء، ورغم المعاناة وقسوة الظروف، وبالسوابق الرهان على الفلاح المصرى لا يخيب أبدًا.

مفطور على العطاء، وكريم معطاء، وأجود من الريح المرسلة، ووقت الشدة شديد، وعبّر عنه الفلاح العتيد «محمد أبوسويلم» قام بدوره طيب الذكر العظيم «محمود المليجى» فى ملحمة «الأرض لو عطشانة» بمأثورته الخالدة «كنا رجالة ووقفنا وقفة رجالة».

هذه هى الوقفة المطلوبة، وقفة رجالة فى ضهر الدولة المصرية فى ظل أزمة القمح العالمية، قربى لشعب الطيبين، محبة فى أغلى اسم فى الوجود، من أجل رغيف عيش من قمح الأرض الطيبة فى فم طفل من ولاد البلد الطيبة. يقول سبحانه وتعالى: «الَّذِى أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ» (قريش/ ٤).

فرض عين على كل فلاح أصيل وليس فرض كفاية توريد كامل قمحه إلى الحكومة لنكفيها مؤنة الاستيراد المضاعف فى ظل أزمة الأقماح العالمية، وليس هذا وقت متاجرة أو مزايدة، سعر التوريد مناسب، وتقررت علاوتان إضافيتان فى موسم واحد، والحاجة ماسّة إلى التوريد الاختيارى دون اللجوء إلى التوريد الإجبارى.

البلد فى شدة، ولا نملك رفاهية بعثرة المحصول عبر الوسطاء والتجار والاحتكارات الريفية، ليس مهضومًا أن يصل إلى صوامع الحكومة ثلاثة ملايين ونصف المليون طن فقط لا غير، والإنتاج يربو على الضعف، ما يضطر الحكومة إلى استيراد أضعاف هذا الرقم من لحم الحى، وبالدولار واليورو والروبل الروسى والهريفنا الأوكرانية، وأخيرًا بالروبية (العملة الهندية).

الحكومة تترجّى الله فى طن قمح هندى بعد شح القمح الأوكرانى والقمح الروسى جرّاء الحرب، والقمح المحلى ما شاء الله يملأ الحقول، والأحوال الجوية والحمد لله مساعدة على تمام وسرعة النضج، وامْتَلأت السنابل بحبوب الخير، ببركة رب السموات، «فِى كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ» (البقرة/ ٢٦١).

هذا ليس وقت التجارة فى الأقماح، لا نملك رفاهية الأيام الخوالى، وأعلم علم اليقين أن الفلاح المصرى صاحب مروءة، وشهامة، وبذل، ونخوة، ولم يتأخر يومًا عن العطاء وبلا حدود، وعرقه مغرّق الغيطان، وقدماه مغروستان فى الطين، وشايل الطين، وطين الترع على كعابه، ولا عمره اشتكى ولا قال آه.

ويأكلها بدُقّة، وحامد ربه وشاكر فضله وكرمه، وأمنيته فى الدنيا سترة البنات، ولقمة هنِيّة، وصلاة الفجر حاضر، وحاضر فى غيطه، ودوامه من الشروق للغروب، ثقة فى فالق الحب والنوى، أن يكرمنا بحصاد يكفينا ذل الاستيراد، وناكلها بدُقّة ولا سؤال اللئيم.