أخشى أن كل سيدة أو فتاة ستقف أمام المرآة طويلًا لتغطى ما ظهر منها، خشية ما ينتظرها على قارعة الطريق، الشوارع ملغومة بالمتحرشين والمتنمرين والمحتسبين الجدد، وبالمناسبة هم من العاديين المحشوة أدمغتهم بأفكار التكفير، وفى أقدامهم شباشب!!.
بقلم الكاتب الصحفي / حمدي رزق
رغم أنه حادث فردى، لكنه يعبر عن مشكل اجتماعى يستوجب توقّفًا وتبيّنًا، توقفًا أمام نوعية جديدة من «المحتسبين الجدد»، وهذه تسمية أخشى ألّا تعيها هذه السيدة البسيطة، التى هاجمت ثلاث فتيات إذ فجأة، نهيًا عما اعتبرته خرقًا لـ«الحشمة المجتمعية» فى شهر رمضان.
كما نشرت «المصرى اليوم»، كأى يوم عادى، استقلّت ٣ فتيات (جنة وسلمى وآية) مترو الأنفاق فى طريقهن إلى المنزل، كانت الأمور تسير بشكل طبيعى حتى هاجمت سيدة فى المترو فتاة من الثلاث، وقالت لها: «لِمِّى اكتافك دى.. الرجالة طالعة ونازلة، ده إنتو بمناظركم دى تتمسكوا دعارة».
سجلت إحدى الفتيات الفيديو، وانتشر على مواقع التواصل الاجتماعى، بعنوان «هجوم سيدة المترو على فتاة بسبب ملابسها».. نال متابعة كثيفة، والمحزن هجوم بعض زعران التواصل الاجتماعى «المحتسبين الجدد» على الفتاة نصرة للسيدة المعتدية، ولوم الفتيات والتنمر عليهن بضراوة!!.
إزاء تطبيق جديد لفكرة «معشِّشة» فى الأدمغة المغسولة تحت وطأة أفكار تشربتها التربة المجتمعية، أفكار ظُنَّ أنها توارت مع توارِى جماعات الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، ولكن غرسها المر سنعانى منه طويلًا، أخطر ما نواجهه مخلفات هذه الجماعات التكفيرية، أقرب إلى ألغام أرضية عشوائية تنفجر فى وجوهنا بمجرد اللمس.
لم ترتكب أى من الفتيات جرمًا، ولم يصدر عنهن ما يخدش الحياء، ولكن الأرض حبلى بحمل سفاح، ماشيين على حصى مسنون يُدْمِى، على كسر زجاج يُخلِّف جراحًا عميقة فى جسد المجتمع، يُثْخِنه جراحًا.
خطورة فعلة السيدة (البسيطة) أنها التطبيق العملى لفكرة تغيير ما يرونه منكرًا، فعلتها باللسان وبالشبشب، وهذا جد مخيف، أن يُعين أحدهم نفسه محتسبًا على الناس فى الطرقات، ويزجر هذا، وينهر هذا، والأخطر استخدام العنف (الشبشب) فى تأديب المختلفين لباسًا أو دينًا أو طبقة اجتماعية، أخشى تحكيم قانون الغاب فى عربات المترو.. وليست أول مرة تحدث فى المترو، يُروى من داخل المترو حكى بغيض!.
خشيتى وخشية الحادبين على مدنية الدولة من مستصغر الأفعال قد يراها البعض تافهة وهامشية ولا تعبر عن مكون مجتمع طبيعى، يُقال فى وصفه إنه متدين.. متسامح، ولكن كما يقولون إن معظم النار من مستصغر الشرر، فقد ينشب ما هو أخطر، وقد يهتبل بعض المرجفين فى المدينة الفرصة، ويجولون منذرين مُهدِّدين مُكوِّرين القبضات فى وجوهنا، فنخشى ونخاف، وكلما كسبوا أرضًا، طمعوا فى مساحات أخرى، فتضيق المساحات، فنختنق بين ضلوعنا المكشوفة أمام شباشبهم الثقيلة.
تخيل مجرد أن إحدى الفتيات، (آية)، ردَّت على السيدة المحموقة قوى، التى تصيح: «إنتى فاجرة، إنتو بمناظركم دى تتمسكوا دعارة»، ردت: «بتتكلمى كده ليه؟»، قلعت لهم الشبشب، كانت عاوزة تضربها به، عنف لفظى قاسٍ، متبوع بتهديد بعنف بدنى، وعليها شهود استنكروه، وحسنًا فعلوا.
القبض على «سيدة الشبشب» والتحقيق معها ليس كافيًا، المهم التعبير عن رفض المجتمع وتصديه لمثل هذه التصرفات الهمجية، صحيح أنه لم يحدث أذى بدنى، ولكن حدث ما هو أفدح، ترويع وترهيب وتخويف، والرسالة بعلم الوصول، تُولد فوبيا مجتمعية.
أخشى أن كل سيدة أو فتاة ستقف أمام المرآة طويلًا لتغطى ما ظهر منها، خشية ما ينتظرها على قارعة الطريق، الشوارع ملغومة بالمتحرشين والمتنمرين والمحتسبين الجدد، وبالمناسبة هم من العاديين المحشوة أدمغتهم بأفكار التكفير، وفى أقدامهم شباشب!!.