شعب مصر

الدكتور سعد الهلالي .. فقيه من مدرسة العقل ..

يؤسس الدكتور سعد الدين الهلالي ، لتيار جديد فى تجديد الفقه يقوم على نزع القداسة، ولا يركن إلى تفسير وحيد وإن كان إجماع الفقهاء، هناك دوما رأى مخفى خلف العمود ، الإخفاء عند عمد أو سهو

بقلم الكاتب الصحفي / حمدي رزق

مراجعة أفكار الدكتور سعد الدين الهلالي أستاذ الفقه المقارن فى كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، واجتهاداته الفقهية، تؤشر على فقيه مصرى مجتهد يذكرنا بالمجتهدين الأوائل الذين ملأوا الدنيا بعلمهم وفقههم على قاعدة التيسير على الطيبين .
معلوم، الدكتور ( هلالي ) ربما لايلقى قبول غالبية المعممين من خريجى مدرسة النقل الحرفي التى تجافي العقل، وبينه وبينهم فراسخ مكانية ، تترجم سنوات ضوئية حتى يفقهوا مدرسته العقلية التى لا تخاصم النص ولكن تعقله ، وقاعدته الراسخة الفتوى تتغير باختلاف الأزمان ، وتطور الأحوال ، وتجدد الحوادث، والجمود عن الاجتهاد مثل التولي يوم الزحف .
فى وصفه، ونرجو توفيقا فى تثمين اجتهاده المعتبر ، الدكتور الهلالي فقيه صعب المراس، قوى الشكيمة، بحر فى الفقه، مجدد، متجدد، درس المذاهب جميعاً، ووقف مقارناً بينها، مستصحباً علومها، متفرداً ببيان عرضها، لا ينحاز إلى مذهب، ولا يقف عند تفسير، ويؤمن بالقلب، وعنوانه الأثير وصية الرسول محمد صلي الله عليه وسلم، “اسْتَفْتِ قَلْبَكَ” .
معلوم الحديث “اسْتَفْتِ قَلْبَكَ” من الأربعين النووية، الاربعون في مباني الإسلام وقواعد الأحكام المعروفة بـ الأربعون النووية، وهى متن اشتمل على اثنين وأربعين حديثاّ جمعها ” يحيي بن شرف النووي ” جمعها المتوفى ٦٧٦ هـ.
والحديث “اسْتَفْتِ قَلْبَكَ”، رواه الإمام أحمد عن وابصة بن معبد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ” جِئْتَ تَسْأَلُنِي عَنْ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ فَقَالَ نَعَمْ فَجَمَعَ أَنَامِلَهُ فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِهِنَّ فِي صَدْرِي وَيَقُولُ يَا وَابِصَةُ اسْتَفْتِ قَلْبَكَ وَاسْتَفْتِ نَفْسَكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ الْبِرُّ مَا اطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي النَّفْسِ وَتَرَدَّدَ فِي الصَّدْرِ وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ”.
**
طروحات الدكتور سعد الدين الهلالي الفقهية ، تشكل نقلة نوعية فقهية ، وتصح عنواناً لمدرسة التجديد المرتجاة.
إلمام الفقيه المحدث بالمذاهب جميعاً يلفتك ، لا تغادر ذاكرته الخصبة تفسيراً أو حديثاً أو رواية إلا وأحصاها، ويقف على المتون جميعا ولا يهمل الحواشى، ويجتهد فى عرض الآراء جميعا غير منحاز أو مشايع، مع ترك فرجة واسعة للمسلم أن يتخير بقلبه، ويعمل عقله، دون سيطرة من عمامة، أو تسلط من شيخ ، المسلم عنده هو الأصل، ولست عليهم بمسيطر، هكذا عنوانه العريض .
خطاب الهلالي يعرف من عناوين مؤلفاته القيمة ومنها، “حقوق الإنسان في الإسلام”،و”المعاملات المالية المركبة”، و”الأزمة المالية والحلول الإسلامية”، و”البصمة الوراثية وعلائقها الشرعية”، و”الجانب الفقهي والتشريعي للاستنساخ”.
**
قيمة الدكتور سعد الدين الهلالى العلمية يقدرها العلماء المنصفون، أما زاوية الرؤية الملفتة هو عطفة الهلالى على أصحاب الديانات الأخرى، سيما إخوتنا المسيحيين، يغبطهم حديث الهلالى الذى يفيض بالإنصاف والعدل الذى تعلمه من مدرسة القرآن الكريم، ومتّنها بدراساته فى المدرسة النبوية الشريفة، وتطويع ما تيسر من الحديث والتفسير ما يعلى من قيمة المواطنة والأخوة الإنسانية.
و الهلالى مصنف ضد الجماعات الارهابية التى تتدثر براية عمية ، ومناهض لسطوة العمائم والمراجع ورجال الدين المهيمنين على العقل الاسلامى .
يفضل ارتداء الثياب ” الأفرنكية ” وهو الأزهرى القح ، ليس مجافياً.. ولكنه ليس من أصحاب العمائم بالمعني الحرفي للعمامة فوق الأعناق المشرئبة للحق والخير والجمال والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية.
يقف صلباً شامخاً ضد محاولة الوصاية على العقل المسلم ، والمسلم الحر المتحرر من ربقة رجال الدين هو اللبنة الأساسية فى البناء الحضارى ، ويعطيه مساحته الكافية لإعمال عقله ، واختياره هو الأصل، وحكمه من القلب .
رغم ما يلقاه من عنت ، لا يأبه الهلالي لمرشد ولا ينصّب نفسه شيخاً، ويتصدق بعلمه ، ويفقه المسلم ويحفزه، أنت أمام ربك، ودليك فى قلبك، استفت قلبك، لا تحتاج إلى مرشد ولا إلى دليل.
على عاتقه رسالة وأمانة ، الهلالي أميناً على كل الآراء، وكل المذاهب، وكل ما ثبت عن الأقدمين، دون إغفال لرأى ولو كان نادراً، أو تفسير ولو كان غريباً، يعرض الآراء كلها، حتى جواز الأضحية بطير توسيعاً وتيسيراً وحتى لا يحرم المسلم من ثواب الأضحية.
يؤسس الدكتور سعد الدين الهلالي ، لتيار جديد فى تجديد الفقه يقوم على نزع القداسة، ولا يركن إلى تفسير وحيد وإن كان إجماع الفقهاء، هناك دوما رأى مخفى خلف العمود ، الإخفاء عند عمد أو سهو وهذا يخالف الأمانة العلمية والفقهية، ولا يستطيب رأى فينتصر لقائله، ولا يغفل اجتهاد منسوباً لصاحبه.
مدرسة الهلالى يصح وصفها بمدرسة “العصف الذهنى”، يعصف الهلالى بالذهن الراكد ، بفكر راشد و تدبر، معلوم الفقه من اجتهاد بشر، أما الشريعة فمن عند الله، ويأبى أن تعامل طبقة الشيوخ الفقه بقداسة أو ترفيع لما هو فوق إعمال العقل ، وينظر إلى فقه الأقدمين نظرة حداثية لا تهمل ظرفاً مكانياً أو زمانياً إلا وأحصته وعرضته، وللمسلم حق الاختيار، لا يسلبه منه كائن من كان حتى لو كانت هيئة كبار العلماء!