مقالات صحفية

الحرب… وأمواج الأكاذيب !

اللافت هنا، أن خبرة المصريين بهذا النوع من الإعلام جعلتهم أكثر فطنة في كشف أكاذيب إعلام ينقل لهم وقائع الحرب في أوكرانيا ويحلل أسبابها ويتوقع نتائجها ..

بقلم الكاتب الصحفي / محمد صلاح

بقدر ما ساعد التقدم العلمي والتطور التكنولوچي وسائل الإعلام على ملاحقة الأخبار وجمع المعلومات وتغطية الأحداث على الهواء من أي بقعة على الأرض ونقل الصورة والصوت وانطباعات الناس، وربما أحاسيسهم أيضاً، إلا أنهما ساعدا أيضاً بقدر كبير هؤلاء الذين يديرون الحروب على حبك الكذب وإتقان التزوير وإبداع طرق جديدة للتزييف لإقناع الناس بمعلومات غير حقيقية وأحداث لم تحدث أصلاً ووقائع لا يمكن أن تقع، حتى فقد الناس الثقة بوسائل إعلام بعينها، واضطروا دائماً لفحص كل خبر للتأكد من صدقيته والبحث في تاريخ كل صحافي وإعلامي ومحلل لمعرفة صلاته بهذه الدولة أو تلك ومدى حرصه على سمعته وأمانته في النقل أو العرض أو التحليل.


 هكذا فضحت الحرب الروسية – الأوكرانية الإعلام وعرّت أجهزة بالغت في استخدامه أداة أو تغييب العقول وخداعها.

صحيح أن الإعلام ظل أحد آليات الحرب ووسائلها وبقي سلاحاً مهماً لعرض مواقف الدول وسياساتها وحقوقها وتبييض وجوه القائمين عليها، والمتسببين بها، والتأثير في الروح المعنوية للأطراف الأخرى، لكن أموراً كتلك كانت تتم بحذر حرصاً على الصدقية، إذ إن اكتشاف المتلقي الأكاذيب يضرب الثقة ويجعله أكثر ميلاً لتصديق وسائل إعلام أخرى ربما يكون بينها تلك التي يستخدمها الأعداء. 

ما إنْ اندلعت الحرب حتى جُهزت الديكورات، ونُصبت الاستديوات، وأضيئت المصابيح، وجلس المذيعون في مواجهة الكاميرات ليطرحوا الأسئلة بينما اجتهد ضيوف البرامج في طرح نظريات حول أدق الأسرار العسكرية، وخطط القادة والضباط والجنود، وكذلك المصائب والبلاوي والفقر الذي سيضرب العالم. 

وحتى تكتمل الحبكة، كان لا بد من بعض التوابل والبهارات والتشويق، المهم أن يخرج المتحدثون بنتيجة مفادها أنهم على حق!! في مصر يصفون أخباراً كتلك بأنها “أخبار مضروبة”، ومنذ عصفت رياح الربيع العربي بالمنطقة غرق المصريون، وغيرهم من الشعوب العربية، في أمواج من المعلومات الكاذبة والأحداث المفتعلة والإشاعات المغرضة والأخبار المضروبة.  

وبمرور الوقت اكتشف المصريون أنهم كانوا ضحايا آلة إعلامية ضخمة تبث الأكاذيب وتمارس التحريض، وتسعى دائماً إلى اغتيال كل معارضي “الإخوان” معنوياً وتصفيتهم إنسانياً، وأن منصات نصبت في دول داعمة لـ”الإخوان” صوبت بثها وصفحاتها وموجاتها في اتجاه عقول المواطنين العرب في كل مكان، لتبييض وجوه “الإخوان” وغسل سمعة الجماعة، وإخفاء كل خطأ وقع فيه ذلك التنظيم، على مدى عقود، سواء تورط “الإخوان” في العمليات الإرهابية أو تآمر الجماعة على الجميع من أجل الوصول إلى السلطة.

 حصَّن المصريون أنفسهم ضد ألاعيب طوفان يومي من “الأخبار المضروبة” وأكاذيبه، وصاروا يتهكمون على محتوى المنصات الإعلامية “الإخوانية” ويستغربون حجم الإنفاق المالي على مشروع لا يحقق سوى الفشل. 

صحيح أن استخدام الإشاعات هو أحد أساليب الحرب اللامتماثلة، واعتمد عليه الناشطون ومحركو الربيع العربي وناشرو الفوضى والخراب، لكن الفشل الذي لحق بـ”الإخوان” والناشطين والجهات الداعمة للتنظيم “الإخواني” الارهابي كان يستدعي من تلك الجهات أن تطور نفسها، وأن تبحث عن آليات جديدة لتحقق الأذى للآخرين. 

فالظروف تغيرت والسنوات مرت والحقائق ظهرت، ولم يعد الناس يستجيبون لكل إشاعة بسرعة، وصاروا لا يخرجون من منازلهم ليحتشدوا في الميادين لمجرد أن ناشطاً زعم أن زميلاً له قُتِل في ذلك الميدان، أو أن الشرطة تذبح المواطنين في هذا الشارع.

صار الناس يبحثون أولاً عن مصدر المعلومة، ويسألون عن دور “الإخوان” فيها، ثم يتوجسون حين يلاحظون أن كل “الإخوان” في العالم جيّشوا أنفسهم لترويج تلك الكذبة، أو هذه المزاعم، وأخيراً تأتي السخرية من أموال تنفق على مر السنوات لم تحقق شيئاً، وجهود بذلت لم تسفر إلا عن مزيد من السقوط لأصحابها في مستنقع الفشل. 

لاحظ هنا أن أكاذيب الثورجية و”الإخوان” أيام الربيع العربي كانت تعيش فترات أطول، فالناس وقتها كانت لديهم دوافع لتصديقها والاقتناع بها، الآن صارت الكذبة تُكتشف بمجرد إطلاقها، والإشاعة تموت قبل أن تؤثر، وحتى ساحة الإنترنت التي استخدمها “الإخوان” واعتقدوا أنهم الأكثر براعة وخبرة وحنكة فيها دخل عليها المدافعون عن أوطانهم وامتلكوا أدواتها وتباروا فيها، وبدوافع وطنية سجلوا انتصارات على لجان إلكترونية ينتظر أعضاؤها الأوامر لينفذوها من دون وعي أو تفكير. 

اللافت هنا، أن خبرة المصريين بهذا النوع من الإعلام جعلتهم أكثر فطنة في كشف أكاذيب إعلام ينقل لهم وقائع الحرب في أوكرانيا ويحلل أسبابها ويتوقع نتائجها، حتى أن بعضهم وجد في التقارير المصورة عن الحرب فرصة لاكتشاف مواهبه في ضحد الأكاذيب بالبحث عن المشاهد نفسها ليكشف للناس أنها ملفقة وأن بعضها يعود الى الحرب ضد غزة أو العراق! 

أكثر من يحزن لتجاوزات إعلام كهذا هم الإعلاميون المحترفون الذين يخشون على المهنة ويراعون مواثيق الشرف ويضحون، ربما بأرواحهم، من أجل توصيل المعلومات الصحيحة والرؤى الصادقة الى جمهور المستقبلين، اذ أحياناً يشعرون بأن عملهم الجاد واجتهادهم المبهر يضيعان وسط أمواج الإعلام الكاذب وضجيجه. 

من المهم أيضاً الإشارة الى أن بعض وسائل الإعلام لم تتنبه الى صحافة المواطن، أي تلك المعلومات الموثقة بالصوت والصورة التي ينقلها المواطنون البسطاء الذين يحضرون في مواقع الأحداث مصادفة أو لظروفهم الخاصة، إذ تنتشر بسرعة وتغطي على تقارير بعض المحترفين، بل وتفضح تحيزهم، أو قل أكاذيبهم. 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى