مقالات صحفية

مصر : تسجيلات وتسريبات !

باختصار، فإن ما جرى مع نجوم الرياضة أسلوب سبق وأن اتبعه الذين تمت التسريبات لمكالماتهم أخيراً… نعم هم أنفسهم والأمر يمكن توصيفه بالتسريبات المتبادلة

بقلم الكاتب الصحفي / محمد صلاح

هدأت الضجة سريعاً في وقائع التسريبات الهاتفية التي انشغل المصريون بها وتابعتها وسائل إعلام عربية طوال الأسبوع الماضي.

ويبدو أن الناس صارت تتعامل مع الأمر باعتباره عادياً ولا يمثل تطوراً مفزعاً يستدعي تدخل السلطات لإيقافه.

ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة التي يحتدم فيها الجدل حول شرعية تسجيل وبث مكالمات هاتفية لسياسيين أو شخصيات عامة، وأخيراً شخصيات رياضية، بهدف فضحهم أو كشف تناقضاتهم أو حرق صدقيتهم أمام الناس أو توريطهم مع مؤيديهم وداعميهم. 

بالنسبة إلى القانونيين، إن الأمر محسوم، فاحترام الحقوق والحريات أمر يخضع للقانون والدستور؛ لكن تظل تساؤلات حول الأخلاق ونظافة اللسان وثقافة الاعتذار والاعتراف بالخطأ والطريقة التي تتعاطى بها السلطات مع الاعتداء على حق الناس في الكلام وكذلك تجاوز الشخصيات العامة واستخدام عبارات سوقية أو كلمات بذيئة لوصف الآخرين أكانوا المنافسين أو حتى الأصدقاء والقريبين. 

بالنسبة إلى المشاهير، فإن المعايير تُزدوج ويكون الحكم على كل واقعة بحسب مواقف هذه الأطراف أو تلك من الشخص الذي جرى تسريب تسجيلاته، فتجد إعلاميين وجمهوراً هللوا وطنطنوا وروّجوا وطبّلوا لما عُرف باسم “تسريبات الرياضيين” بعدما انتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي وبثتها قنوات تبث من خارج مصر، واجتهدوا بشدة ليستخرجوا منها مفردات معيّنة تم استخدامها على نطاق واسع في كل مناسبة. 

باختصار، فإن ما جرى مع نجوم الرياضة أسلوب سبق وأن اتبعه الذين تمت التسريبات لمكالماتهم أخيراً… نعم هم أنفسهم والأمر يمكن توصيفه بالتسريبات المتبادلة.

إنها لعبة غير نظيفة تُمارس ضمن حرب تسيء الى الدولة وتتجاوز التنافس على مواقع مهمة ضمن المنظومة الرياضية أو حتى الصراع في ساحات الملاعب. 

صحيح أن هناك نماذج مماثلة على المستوى السياسي الدولي كتسريبات “ويكيليكس”، وهي وثائق سرية أميركية مسرّبة نشرها موقع “ويكيليكس”، بعدما حصل مديره ناشط الإنترنت الأسترالي جوليان أسانج عليها، وكذلك وثائق بنما وهي وثائق سرية تخص شركة موساك فونسيكا للخدمات القانونية في بنما، أو الأزمة بين واشنطن وبرلين بعدما كشفت معلومات مصدرها موظف سابق في جهاز الاستخبارات الأميركية أن الجهاز تنصت على هاتف المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل، لكن المزعج أن مسألة تسجيل المكالمات وتسريبها في مصر صارت من مفردات الحياة، ومع تحول الأمر الى ظاهرة صار الناس يتعاملون معها باعتبارها مسألة عادية أو طبيعية! 

في لعبة السياسة لا يبدو السؤال عن الأخلاق حتمياً، لكن أن يمتد السلوك المعيب والتصرف اللاأخلاقي الى ملاعب الرياضة وأروقة المسؤولين عنها أمر مثير للدهشة في وسط يدّعي كل المنتسبين اليه أنهم ينشرون الأخلاق ويتنافسون من أجل إعلاء قيم الود والشرف.

 ويظل التساؤل عن الجهة التي تقوم بتسجيل المكالمات الهاتفية وتوزيعها على مواقع التواصل أو وسائل الإعلام، وكذلك طبيعة هؤلاء البشر الذين يرتكبون الجريمة وفي اليوم التالي يعترضون أو قل يصرخون عندما يصحون على ضجة تسريب جديد لهم هم … صحيح يمكنك استخدام القانون واللجوء إلى المحاكم لكن لا تطلب من منافسيك، أو قل أعداءك، ألا يستخدموا الأساليب نفسها التي سبق أن استخدمتها، وفي ذاكرة الأحداث التي مرت بها مصر مواقف تم الحكم عليها بمعايير مختلفة، وستجد الممسكين بتلابيب المعايير الأخلاقية هم أنفسهم الذين وصفوا اعتصاماً مسلحاً بأنه تجمع سلمي، ومن اعتبروا حرق البلد عملاً بطولياً ومن رأوا في إرهابي قاتل ضحية للظلم، ومن يحرّضون على الفوضى باعتبارهم ضحايا حكم العسكر. 

أخيراً أظهر طوفان التسريبات الأخيرة أن المكالمات عكست الحالة المزرية لشخصيات تجذب الأضواء وتحتل أماكن ثابتة في الاستدويوات، ناهيك بالطبع بالملاعب، وأن حجم الصراعات في ما بينها والتناحر بين رموزها تجاوزا التنافس الرياضي الى حد الكراهية والرغبة في الانتقام، ووصل الحال بالناس إلى اعتبار أن النخبة الرياضية ورموزها لا أمل فيهم أو في إصلاح أحوالهم، بل باتوا يتوقعون كارثة رياضية مخيفة كتلك التي حدثت لجمهور الأهلي في بورسعيد أو جمهور الزمالك في القاهرة بعد تسخين وتعصب وفتن وبذاءات .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى