شعب مصر

” الجماعة ” – ٣ !

ذلك التنظيم الإرهابي الذي تعاون مع المستعمر في الماضي وزعم مقاومته، قتل الأبرياء وحرق مقار المؤسسات وسعى الى إسقاط الدولة وتدميرها وزعم أن الحكومات تلصق بعناصره جرائم لم يرتكبوه

بقلم الكاتب الصحفي / محمد صلاح

مرت الذكرى الأولى لغياب الكاتب وحيد حامد في هدوء، لكن قفز السؤال إلى الواجهة : هل يحتاج الأمر إلى جزء جديد من مسلسل “الجماعة” لتوضيح مخاطر تنظيم “الإخوان المسلمين” الإرهابي في المستقبل بعد الانشقاقات التي ضربته؟.

فحامد الذي تعرض لحملة شرسة من عناصر “الإخوان” بعدما كتب الجزء الأول من مسلسل “الجماعة” زادت بعد عرض الجزء الثاني، أظهر كيف أفلت الزمام من بين يدي مؤسس الجماعة ومرشدها الأول حسن البنا عندما وسّع التنظيم المسلح، الذي كان هو نفسه أمر بتأسيسه وأسند قيادته الى عبدالرحمن السندي، دائرة عملياته الإرهابية وتصرف بعيداً من إرادة البنا وأوامره، الى درجة أن البنا مرّ عليه وقت خشي على نفسه من أن يغتاله التنظيم حين اضطر، لإرضاء الحكومة، إلى إدانة إغتيال أتباعه رئيس الوزراء النقراشي والقاضي أحمد الخازندار.

وكشف حامد في الجزء الثاني من المسلسل عودة التنظيم إلى شن الهجمات المسلحة وتنفيذ الاغتيالات عقب ثورة ٢٣ تموز (يوليو) ١٩٥٢ بعد كل صدام بين مجلس قيادة الثورة والمرشد الثاني للجماعة حسن الهضيبي.

صحيح أن كلاً من البنا والمرشد الثاني لـ”الإخوان” حسن الهضيبي أمرا مباشرة بتنفيذ اغتيالات محددة، لكن المشكلة كانت إجتهادات عناصر الجناح المسلح في تنفيذ عمليات إرهابية من دون أوامر المرشد فضحت الجماعة وكشفت تنظيمها العسكري السري بعميات عشوائية أو غير محكمة السرية وقطعت على المرشدين : البنا والهضيبي سبل التعاطي السياسي مع الساسة بعدما أقر المنُفذون في قضايا عدة أن أوامر القتل والإرهاب صدرت من المرشد مباشرة.


 المناسبة هنا أن تنظيم “الإخوان” الآن انقسم فعلياً الى تنظيمين تقبع قيادة الأول في تركيا بينما يتحرك القسم الثاني منه بأوامر تصدر من بريطانيا، صحيح أن عناصر التنظيمين يجمعهما العداء للسيسي والدولة المصرية إلا أن كلاهما يزعمان امتلاك صك قيادة “الإخوان” وتحديد سياسات الجماعة وقراراتها باعتبار أن المرشد محمد بديع موجود في السجن ولا أمل في خروجه قريباً، أو قل بعيداً أيضاً.

واللافت هنا أن وحيد حامد كان أوضح أن النزاعات والخلافات التي تفجرت قبل ثورة تموز (يوليو) وبعدها بين قادة وعناصر “الإخوان” زرعت في عناصر التنظيم قناعات ما زالت موجودة حتى الآن، مفادها أن إظهار الولاء أكثر لفكر الجماعة وأيديولوجيتها يتطلب وقائع على الأرض وفي القلب منها تصعيد عمليات الإرهاب والاغتيالات. 

المتابعون لتاريخ “الإخوان” يدركون أن إنكار الواقع هو أحد ثوابت الجمود الفكري والسياسي للتنظيم الذي يعيش أزمة غير مسبوقة في تاريخه، فالتنظيم تضربه الخلافات والصراعات الداخلية، وغالبية القادة إما في السجون أو في الشتات، وغابت أي محاولة للنقد داخل الجماعة أو تصحيح رؤيتها ومواقف “الإخوان” تجاه أي معضلة، أو تقديم تنازلات تمكنها من الحياة والاستمرار، بينما حين وجد البنا العاصفة عاتية سارع الى وصف منفذي الاغتيالات بأنهم لا “إخوان” ولا مسلمون، وعلى دربه سار الهضيبي ودفعته صرامة العهد الناصري الى وصف “الإخوان” بأنهم دعاة لا قضاة. 

من الواضح أن تنظيم “الإخوان” وقياداته المنقسمة الآن فشلوا تماماً في إدارك الواقع الجديد في مصر والتكيف والتعامل معه، من هنا ضربت الانقسامات والخلافات البنية التنظيمية الموحده للجماعة، ومع الإجراءات التي اتخذتها الحكومة المصرية للرقابة على تدفق الأموال من الخارج ومصادرة مشاريع تجار الجماعة زاد الصراع على السلطة داخل التنظيم وكسب مراكز النفوذ والاستحواز على ما تبقى من مصادر للتمويل. 

وعلى الرغم من كل جوانب القصور والجمود في فكر  “الإخوان” وسلوكهم إلا أن لديهم طمعاً وولعاً بالسلطة، أي الحكم، أو ما يطلقون عليه في خطابهم “التمكين”، وهم اصطدموا دائماً مع كل نظام حال بينهم وبين “التمكين” منذ أربعينات القرن الماضي: صدام مع حكومة أحمد ماهر ثم محمود النقراشي عام ١٩٤٨، ومع مجلس قيادة الثورة ١٩٥٤ ، ومع عبد الناصر ١٩٦٥ ، ومع السادات ١٩٨٠ ، ثم مع مبارك في مناسبات ومواقف عدة،

وليس سراً أن كثيرين من المصريين يرون ضرورة اتباع النهج الناصري في التعاطي مع “الإخوان” أمنياً وسياسياً، وفي الوقت نفسه تحقيق معدلات تنمية مُرْضية وتوفير الدولة الخدمات الأساسية وتحقيق عدالة اجتماعية، ما يحرم ذلك التنظيم الإرهابي من استغلال معاناة الفقراء للحصول على حاضنة اجتماعية يستغلها في دعم وجوده وخطابه السياسي. 

غاب وحيد حامد قبل سنة ولم يظهر الجزء الثالث من “الجماعة”، لكن بقيت مشاهد تحاكي ما يجري الآن أهمها الحديث الممجوج كل فترة عن إمكان المصالحة بين “الإخوان” والحكم من دون النظر الى أن العداء الآن ليس فقط بين السيسي والتنظيم الإرهابي وإنما بين مؤسسات الدولة وعلى رأسها الجيش وبين “الإخوان” الذين قتلوا ضباطاً وجنوداً، وكذلك مع الشرطة التي دفعت ثمناً غالياً من أبنائها للحفاظ على الدولة في مواجهة مؤامرات التنظيم لاسقاطها، وحتى لو لم يظهر الجزء الأخير من “الجماعة” الى العلن فإن غالبية أبناء الشعب المصريين الذين وقفوا في الماضي على الحياد، بل إن بعضهم تعاطفوا مع “الإخوان” وساندوهم، تغيروا وصاوا يعتقدون أن ذلك التنظيم الإرهابي الذي تعاون مع المستعمر في الماضي وزعم مقاومته، قتل الأبرياء وحرق مقار المؤسسات وسعى الى إسقاط الدولة وتدميرها وزعم أن الحكومات تلصق بعناصره جرائم لم يرتكبوها، وحكم مصر سنة كاملة وقتل أبناءهم وهو يتشبث بالسلطة ويرفض التفريط فيها وسرق فرحتهم مع كل حدث مبهج وخبر سعيد، لم ينسَ هؤلاء أن عبد الناصر حاول استيعاب “الإخوان” وتوظيف بعض رموزهم في مناصب في الدولة لكنهم حاولوا اغتياله وإسقاط حكمه وحين جاءت هزيمة المشروع الناصري في ١٩٦٧ ثم موت عبد الناصر عام ١٩٧٠، فتح الطريق سريعاً أمام عودة “الإخوان”، بعدما عقد السادات تحالفاً مع مرشدهم عمر التلمساني أفرج بموجبه عن معتقليهم وسمح بعودتهم الى العمل الدعوي والسياسي في مقابل دعمهم إياه في مواجهة اليسار والناصريين، وانتهت المصالحة بقتل السادات عبر فصيل إرهابي آخر خرج من عباءة “الإخوان”. 

التفاصيل كثيرة والأحداث متعددة ومؤثرة وسرعة تلاحق التطورات جعلت بعضهم يتجاوز تاريخ “الإخوان” ومؤامرات تنظيمهم وتحالفات قادتهم وصراعات المصالح بينهم ما يجعل من ظهور “الجماعة – ٣ ” أمراً مهماً ليدرك البسطاء كيف يتعاطى “الإخوان” مع ظروف مرت بهم في الماضي ويمرون بها الآن .