شعب مصر

الهوارى يكتب : محمد صلاح ورفاقه وجهوا لطمة قوية على وجه المتعصبين ومُشعلى نار الفتن الكروية .. أعطوا دروساً فى حب الوطن والانتماء غير المشروط .. وكشفوا عورات المحللين والإعلاميين المُغرضين

المنتخب المصرى حقق أرقاماً قياسية مذهلة فى بطولة الأمم الإفريقية يجب الوقوف أمامها بقوة

بقلم الكاتب الصحفي / دندراوي الهواري

الكاتب الصحفي / دندراوي الهواري

لم يكن انزعاج محمد صلاح نجم منتخب مصر لكرة القدم من حجم التعصب الأعمى لصالح أندية ولاعبين ومدربين بأعينهم، سوى تأسيس على واقع رآه بعينه، وعاشه بنفسه، وهو خارج دائرة هذا التعصب، سواء عندما كان يلعب فى نادى المقاولون العرب، أو عندما وصل لمجده مع ناديه الحالى، ليڤربول.   محمد صلاح نفسه عانى من محاولة الزج باسمه فى أتون نار هذا التعصب الأعمى، رغم ابتعاده عن اللعب لأندية جماهيرية داخل مصر، ثم احترافه الخارجى وعندما حمل شارة قيادة المنتخب، ومع أول بطولة يخوضها المنتخب فى ظل تغيير جذرى فى إدارة اللعبة، سواء اتحاد كرة جديد منتخب، وجهاز فنى يضم كفاءات كبيرة، شهرتها قارية وعالمية، أو قائد للفريق أحد أضلاع مثلث الأفضل والأشهر فى الكرة العالمية ـ بدأ السير فى الطريق الصحيح، إلا أن قائد المنتخب ومن قبله المدير الفنى البرتغالى الشهير “كيروش” أدركوا مبكراً أن هناك أنواعاً من”الشوك” مزروعاً فى الطريق.  

 شوك التعصب الأعمى للأندية، وشوك “حب الدببة” للاعبين بعينهم، ومحاولة تشويه الآخرين، وشوك المُحللين فى الاستديوهات وعلى مواقع السوشيال ميديا، الذين لم يحققوا نجاحاً واحداً مع فريق فى الدرجة الرابعة، وشوك بعض الإعلاميين الأميين، الذين لا يتمتعون بقريحة التقييم الصحيح، وتحركهم المصلحة الخاصة، وتغليبها فوق المصلحة العامة.   لذلك، كانت صرخة محمد صلاح قائد المنتخب الوطني الأول لكرة القدم لجماهير الكرة المصرية بالوقوف خلف منتخبها الوطني، وعدم التعامل مع اللاعبين من باب انتماءاتهم للأندية، مؤكداً أن منتخب مصر أكبر من أى ناد ومن أى لاعب مهما كان تاريخه، بمن فيهم محمد صلاح نفسه.  

كابتن المنتخب الوطني، لفت خلال المؤتمر الصحفي الذي عقد للحديث عن مباراة كوت ديفوار ومصر في دور الـ١٦ لبطولة الأمم الإفريقية إلى أن جميع اللاعبين متحمسون ولديهم الرغبة الأكيدة لتحقيق إنجاز للكرة المصرية، ويجب أن يشعروا بأن جماهيرهم تدعمهم في كل الأوقات، موضحاً بأن هذه دعوة موجهة للجميع وليست هجوماً على أحد.  

رسائل محمد صلاح، جاءت بعد أن طفح الكيل به وبزملائه، مما وصل إليه الشارع الكروى المصرى من تعصب أعمى، أججه دخلاء على الوسط الرياضى، فاقدو القدرات الفنية والعلمية فى التقييم الصح، وتحركهم نوازع داخلية بعيدة عن المصلحة العامة، لدرجة أن البعض يهاجم المنتخب، لركوب التريند والطمع فى حصد “اللايكات والتعليقات” على السوشيال ميديا، حتى وإن تطلب الأمر السير عكس اتجاه المنطق والعقل والمصلحة الوطنية.  

الحقيقة المؤكدة أن منتخب مصر، بقيادته الفنية والإدارية واللاعبين، كانوا رجالاً ، وفضحوا التعصب الأعمى وأصحاب المصالح الضيقة، وجهلة التقييم الفنى، والباحثين عن ركوب التريند وحصد اللايكات والتعليقات، وأكدوا للقارة كلها، أن منتخب مصر الرقم الفاعل والأقوى فى معادلة كرة القدم القارية والإقليمية، وأن كل لاعب من لاعبيه يسكن جيناته الروح والتحدى والعزيمة والحماس والتضحية من أجل رفع علم بلاده.  

منتخب مصر تحدى كل الظروف الصعبة من إصابات ونقص عددى وسوء التنظيم والجو وملاعب سيئة، ووصل إلى المباراة النهائية، سالكاً طريق الصعب، ومتجاوزاً كل القوى الكروية الكبرى، كوت ديڤوار والمغرب والكاميرون، ثم واجه منتخب السنغال المدجج بكل بالنجوم المتلألئة فى سماء البطولات الخمس الكبرى، الإنجليزية والإسبانية والألمانية والايطالية والفرنسية، وأن الـ٢٥ لاعباً سنغالياً محترفون جميعهم.  

بينما منتخب مصر لا يضم فعليا ًمن المحترفين سوى ٤ فقط أبرزهم وأهمهم محمد صلاح، ولو كان لدينا صلاح آخر، لاستطاع المنتخب المصرى مجابهة أى فريق مهما كان يضم من نجوم عالميين.

  نحن لا نردد كلاماً من باب المزايدات، أو الحماس والشيفونية الوطنية، وإنما من واقع يتحدث لغة الأرقام، فالمنتخب يضم أقوى دفاع فى البطولة، وحارسى مرمى عملاقين، ولعب ٤٨٠ دقيقة هى عمر ٤ مباريات أمام القوى الإفريقية الكروية الأبرز، فى أول مرة فى تاريخ البطولة، إن لم تكن فى كافة البطولات القارية والعالمية، وهو رقم قياسي تاريخى.   ومن الأرقام المذهلة لمنتخب مصر فى البطولة، أن يطيح  بكوت ديفوار والمغرب والكاميرون، واحدة تلو الأخرى، فى واقعة كروية لم تحدث من قبل، ولم نر فريقاً إفريقياً أطاح بهذه القوى بهذا التسلسل فى بطولة واحدة، لكن رجال مصر فعلوها، ليأتوا بالجديد.  

الأهم، أن نجوم منتخب مصر وبهذا الأداء، دفعوا المصريين للالتفاف حول علم بلادهم، طوال مدة البطولة، وزادوا من رفع منسوب الشعور الوطنى، وأعادوا شحن بطاريات الانتماء، ووجهوا ضربة قوية على وجوه المتعصبين، وأصحاب الأمية الكروية، وفضحوا أصحاب المصالح الخاصة الضيقة، وهى فضائل عظيمة الأثر يجب البناء عليها بقوة، فى ظل منظومة جديدة، من اتحاد كرة منتخب وجهاز فنى واداري أثبت قدرات فنية متميزة، ولاعبين جدد أثبتوا أنهم المستقبل، ورابطة أندية محترفة، ثم شركات وطنية راعية، تقدم كل الدعم والمؤازرة دون سقف.

  أعتقد مثل هذه المنظومة، وبشىء من التنسيق وتضافر الجهود والاحترافية فى الأداء فيما بينهم، ستنقل منظومة كرة القدم المصرية إلى منطقة أخرى، تدفع بها أن تكون صناعة جوهرية.. نتمنى البناء على هذا النجاح بكل قوةِِ .