ذلك التاريخ لم يكن ثورة بالمفهوم السياسي، بل حالة غضب امتطاها الإخوان وبعض الناشطين المرتبطين بجهات أجنبية، وسعوا الى تخريب البلد بنشر الفوضى وإشاعة الإرهاب ليستقر الإخوان في نهاية المشهد على مقاعد السلطة
بقلم الكاتب الصحفي / محمد صلاح
اليوم يحتفل المصريون بعيد شرطتهم، بينما على الجانب الآخر يتوعد تنظيم “الإخوان المسلمين” الإرهابي والجهات والشخصيات الداعمة له المصريين بأهوال، ما داموا على موقفهم الداعم لدولتهم وجيشهم وشرطتهم من دون الاستجابة لدعوات الفوضى والثورة والخراب التي لا يتوقف الإخوان عن إطلاقها، وبالطبع من بين مفردات كتالوج الإساءة الى الحكم تصيّد أخطاء شرطي أو ضابط أو إطلاق المزاعم حول تجاوزات أو خروق، فإسقاط الشرطة أولاً هدف يسعى اليه المخربون والمجرمون والإرهابيون، وبعدها من السهل الانقضاض على السلطة، وهذا ما حدث بالفعل بعدما ضرب الربيع العربي مصر في مثل هذا اليوم من عام ٢٠١١ .
في بلد كمصر تجاوز عدد سكانه مئة مليون نسمة، يصبح أداء الشرطة دائماً محل نقد وفحص وتحت المجهر، فما بالك وقد انهار جهاز الأمن بكامله في ساعات قليلة يوم ٢٨ كانون الثاني (يناير) ٢٠١١ بعد تصرفات وسياسات خاطئة لسنوات من القائمين عليه، وحملات عنيفة من الغاضبين منه استهدفته. وطبيعي في جهاز يتجاوز عدد العاملين فيه نحو مليون شخص وقوع تجاوزات، فضباط الشرطة وأفرادها مواطنون وبشر فيهم الجاد والتافه، والأمين والفاسد، والبطل المستعد للتضحية من أجل بلده ومبادئه، وكذلك الجبان الذي يتوارى خلف قناع الزيف.
المعيار هنا أن تظل الأخطاء شخصية وفردية وبشرية وبنسب محدودة، وألا تكون تعبيراً عن سياسات ممنهجة أو تتم برعاية الدولة ذاتها.
تجاوز المصريون “الخناقة” حول تاريخ ٢٥ كانون الثاني (يناير) والرغبة في استخدامه للاحتفال بمرور أربع سنوات على إسقاط نظام حسني مبارك، أو كعيد للشرطة، وزادت قناعات الناس بأن ما حدث في ذلك التاريخ لم يكن ثورة بالمفهوم السياسي، بل حالة غضب امتطاها الإخوان وبعض الناشطين المرتبطين بجهات أجنبية، وسعوا الى تخريب البلد بنشر الفوضى وإشاعة الإرهاب ليستقر الإخوان في نهاية المشهد على مقاعد السلطة. تحتفل مصر بعيد الشرطة، لكن سيظل مشهد انسحاب الشرطة مساء يوم ٢٨ كانون الثاني (يناير) ٢٠١١ راسخاً، ولن يغيب عن الأذهان حتى بين قيادات الشرطة ورموزها، بغضّ النظر عن الجدل حول ما جرى قبل ذلك وأثناءه، وبعد اليوم، فإن الثابت أن هناك من استغلوا نظام مبارك عموماً وجهاز الأمن خصوصاً. يومها كان الاعتقاد السائد أن إعادة بناء جهاز الأمن ستحتاج إلى سنوات طويلة، أو أن عودة الثقة بين جهاز الأمن والمواطن تحتاج إلى إجراءات وسياسات جديدة، المؤكد أن إنجازاً كبيراً حدث بعودة الشرطة وإعادة إحياء المؤسسات الأمنية، وأن التضحيات التي قدمها جهاز الأمن للحفاظ على مصر موحدة وكسر شيطان الإرهاب محل تقدير.
كان طبيعياً أن “تُسخن” الأجواء أخيراً بالحديث عن أداء الشرطة في مصر لأسباب عدة، بينها أنه الموسم السنوي للإشادة (والإساءة) بجهاز الأمن مع قُرب الاحتفال بعيد الشرطة، وكذلك الذكرى السنوية لــ٢٥ كانون الثاني، إضافة إلى استمرار الحملة التي يتبناها الإخوان وتهدف الى “حرق” الشخصيات العامة والمؤسسات التي ساندت ثورة الشعب المصري ضد حكم “الجماعة”، ناهيك بعجز ناشطي مواقع التواصل الاجتماعي و”الثورجية” الذين تمتطيهم الجهات الداعمة للإخوان عن التواصل مع جماهير ولجوئهم إلى تصيد الأخطاء لإفشال كل جهد يهدف ترسيخ أركان الدولة.
والحقيقة التي لا يمكن إنكارها أن مصر شهدت عقوداً من المخالفات والتجاوزات والتردي في مستوى الأداء العام، أفضت إلى انهيار في القيم والتعليم والثقافة والسلوك.
فضابط الشرطة مجرد مواطن، وإذا ارتكب جريمة أو أخطأ فلا يصح أن يدفع ثمن جريمته أو خطئه جهاز الشرطة كله، فالذين تاجروا بالأعضاء البشرية، أو أخفوا الدواء في المستشفيات الحكومية واستغلوها في إجراء عمليات جراحية لحسابهم الخاص، هؤلاء كانوا أطباء وليسوا ضباطاً في الشرطة، وكذلك الذين دافعوا عن تجار المخدرات أو القتلة، وهم يعلمون ومتأكدون من أنهم مذنبون، هؤلاء كانوا محامين وليسوا من الشرطة، ومن أفشلوا نظام التعليم، ومعهم من احترفوا الدروس الخصوصية وهدموا الوعي الثقافي والتعليمي والتربوي لأجيال من المصريين كانوا معلمين ومدرّسين وليسوا من الشرطة. انظر إلى الطريقة التي يتعامل بها موظفو الدولة في المواقع الخدمية مع الجمهور، لتدرك كيف تحول تعذيب البشر إلى ثقافة بين المصريين، فتتذكر أيضاً أن من غشوا في مواد البناء حتى انهارات العقارات على أجساد الآلاف من المصريين كانوا مهندسين ومقاولين وعمالاً وليسوا من الشرطة، ومن اختلسوا الأموال من المصارف وسرقوا وتلاعبوا بأموال المؤسسات الحكومية والخاصة كانوا محاسبين ورجال أعمال وليسوا من الشرطة، ومن دمّروا الأراضي الزراعية وقاموا بالبناء عليها وحرموا المصريين من خيراتها كانوا فلاحين وملاك أراضٍ وليسوا من الشرطة، ومن أدخلوا المبيدات والأسمدة الكيماوية الضارة كانوا مستوردين ووزراء وليسوا من الشرطة، ومن قاموا برش الخضروات والفاكهة بالهرمونات والمسرطنات ليحصلوا على إنتاج أكبر وربح أكثر هم كبار “حيتان” الأراضي وليسوا من الشرطة، ومن أهدروا المال العام واختلسوه في عمليات موظفون عموميون في الدولة وليسوا من الشرطة، ومن باعوا الأدوية المخدرة والمؤثرة في الأعصاب وتاجروا بالممنوعات كانوا من الصيادلة وليسوا من الشرطة، ومن سلبوا حقوق المتخرّجين من المجتهدين وعيّنوا أبناءهم في الهيئات والجامعات وهم فاشلون أساتذة في الجامعات ومسؤولون في دواوين الدولة وليسوا من الشرطة، ومن رفعوا أسعار الخضروات والفاكهة واللحوم وباقي السلع الأساسية كانوا بائعين وبقالين وجزارين، ومن تاجروا في السوق السوداء بالدقيق المدعم للشعب كانوا أصحاب المخابز والمطاحن، ومن رفعوا أجرة التاكسي والميكروباص والتوك توك رغماً عن الناس كانوا السائقين، ومن أخذوا الرشى كانوا موظفين في الأحياء والإدارات المحلية وليسوا من الشرطة، ومن لجأوا إلى الواسطة والمعارف للحصول على حقوق ليست من حقهم أو وظائف غير مؤهلين لها هم مواطنون مصريون ليسوا من الشرطة، ومن غسلوا الأموال وسرقوا أراضي الدولة ونهبوا أموال الشعب كانوا وزراء ورجال أعمال وأصحاب نفوذ ونواباً في برلمانات سابقة وليسوا من الشرطة.
كلها اعتداءات على الناس والمجتمع والقانون ارتكبها مواطنون، لكن ما يأمله المصريون أن تكون الشرطة حائط الصد الأول ضد تلك الجرائم، تماماً كما فعلت، وتفعل، في حماية الدولة من إرهاب الإخوان ومؤامراتهم.