” طِيفي في الإسكندرية ” في يوميات كاتب

بقلم الكاتب الصحفي / محمد صلاح

عَودنا الكاتب الصَحفي و الإعلامي السابق محمد صلاح من وقتِِ لآخر بمُشاركة مُتابعيه عبر وسائل التواصل الإجتماعي في ما يكتبه من خواطر تَعن له و تَلح عليه فيترك لها العنان لتنطلق و تُمتعنا بأجمل اللحظات و نبحر معه في بحور ذكرياته و عبير كلماته التي نتمتع بها في سلسلة يوميات كاتب .

كلام … وسلام

طيفي في الاسكندرية … ليس للأمر علاقة بالغيبيات بل حقائق جرت أفضت إلى وقائع أغرب من الخيال ، ليست حكاية أو رواية أو قصة قصيرة او طويلة ، إنها مجُرد واقعة إعتقدت أنها ستعبر كغيرها من الوقائع والأحداث ، لكنها لم تمر مرور الكرام وإنما أفضت الى تأثيرات وطلاسم وعقود من الغموض والخيال ، واقع ووهم ، إنتصارات وإنكسارات ، طموحات وإحباطات … سعادة وتعاسة !

أكثر من أربعة عقود مضت علي سفري الي الاسكندرية في إحد شهور الصيف مُصاحبا لأبي رحمه الله حيث كان في مهمة عمل ، كنت تجاوزت بالكاد مرحلة الطُفولة وكانت المرة الاولى التي أرى فيها بحرا أوشاطئ …أو الاسكندرانية ، ولأن نصف النهار كنت أمضيه وحدي إلي حين عودة أبي من عمله كنت أضع لنفسي كل يوم برنامجاً ترفيهياً وأنا الشغوف بالتنوع والتغير والبحث في الوجوه وتفسير السلوك والتصرفات..

إستهواني ذلك الترام ( ابو دورين ) الذي ليس له مثيل في القاهرة ، وكلما حاَنت الفرصة ركبته وجلست في الطَابق الثاني ذهاباَ إلى اللا مكان وعودة الي حيث بدأت حتى أتي اليوم الموعود : من محطة كليوباترا ركَبت الترام وإلى طابقه الثاني إتجهت وجلست في الصف الأخير عيناي لا تفارق المَشاهد بالخارج ، كانت العربة خالية تقريباً الا منّي ، مبُتهج بممارسة عادتي التي صارت يومية في الإسكندرية ، وصل الترام الى محطته الاخيرة في باكوس .

و في طريق العودة كنت أطالع من الشباك الجانب الآخر من الطريق الطويل إنتظاراً لمحطة كليوباترا المُقرر أن أنزل فيها ، هكذا كان الحال حتى وقعت الواقعة عندما شاهدت نفسي أصعد درجات سلم الترام ، نعم صعدت !… وكيف أصعد من جديد وأنا جالس بالفعل في مكاني بالترام ؟

لكن فعلاً صعدت مجدداً..

ياللهول من هذا ، سألت نفسي وأنا أجلس في الخلف ، كان المشهد غريبا أو قل مُروعا ، شاهدتني ، أو شاهدته يصعد السلم الداخلي للترام ، لم ينظر لي وإختار مقعدا في الصف الاول وجلس.. من ؟

أنا ..نعم انا .. أو للدقة شخص يُشبهني تماما ، أيوة تماماً : طوله وحجمه وشكله وحتى ملامح وجهه ولون شعره وكذلك عيناه ولونها العسلي ، يا الاهي ، نطقتها في سري ، خفت ان يسمعني ولا ادري لماذا خفت ، تملكني الرعب وكأن أصابني الشلل ، حتى رغبتي في أن أنهض لأقترب منه لأمازحه أو أعرض عليه نفسي أو لأسئله عن إسمه أو لونه أو مكانه أو ميلاده ضاعت بسبب الذهول الذي أصابني والصدمة التي إنتابتني .. لم يستغرق الأمر وقتًا طويلاً فبعد محطة واحدة نهض من مكانه واتجه الى السلم وهبط درجاته وانتظر وقوف الترام ..

قُمت من مكاني وشاهدته عند وصول الترام إلى المحطة التالية يغادر ويذوب بين الزحام ويتلاشى ..على مدي إسبوعين آخرين مدة إقامتي لاحقاً في الإسكندرية كنت أبحث عني ..أو عنه..لا أعرف لماذا ؟

ولم اجده أبداً لكّنه كان دائماً معي ، لم أشاهدني أو أشاهده مُجددا رغم مرور السنوات وترددي علي المدينة الساحلية ، لكنّه لم يفُارقني مُطلقاً ..يومها أيقنت أنّ لي في الإسكندرية نصف آخر أو جزء من روحي أو طيف من خيالي ، حتى حين تأسست مكتبة الإسكندرية وكان لي نصيب من نشاطها وحضورها وتألقها كان يُلازمني هذا الطيف : في كل فندق أقمت فيه أو شارع مشيت علي رصيفه أو شاطئ جلست على رماله .

نعم في خيالي لكنّه صار واقعاً يرافقني ،أحياناً أحادثه أو أعاركه أو أتفاهم معه ،وأسأله فيجيبني ..أو يتهرب من الإجابة ، أو يخدعني ، وبين جمهور المكتبة في الندوات والمؤتمرات والحلقات النقِاشية كان يُلازمني أوكنت أتخيله أو أبحث عنه أو أشتاق إلى رؤيته !

نعم وجدت نفسي أتعامل مع كائن حي حتى لو كان سراباً أو وهماً ، تخيلت ، أو قل عِشت تفاصيل أنماط علاقاته بالآخرين : أحزانه وأفراحه ، أسفاره ورحلاته ، طُموحاته وإخفاقاته ، زيجاته وقائع طلاقه ..يا ربي كيف لازمني طيفه كل هذه السنوات حتى اقترب العمر من أمتاره الأخيرة إلى درجة جعلت لقاءاتي مع النخُبة السكندرية : الدكتور إسماعيل سراج الدين أو الدكتور خالد عزب أو الدكتور مصطفي الفقي وباقي القيادات المتُعاقبة علي مكتبة الاسكندرية ، أو الاعزاء والأصدقاء الذين تولوا مسئولية المحافظة كاللواء عبد السلام المحجوب أو اللواء عادل لبيب أو صديقي وأخي اللواء طارق المهدي وغيرهم من القيادات الأمنية والسياسية في المحافظة لا تخلو من محاولات مني لمعرفة ما إذا كان أحدهم شاهده أو تعامل معه ، أو حتى عاقبه بقرار أو إجراء ، وكأني أحاكي قول أم كلثوم : ولما اشوف حد يحبك يحلالي اجيب سيرتك وياه !

هنا يأتي دور الأسئلة : إذا كنت تخيلته هل حلمت به مثلا ؟ كيف تصف طباعه أو أخلاقه أو تصرفاته ؟ هل هو نصفك الخّير أم الشِرير ؟ الوفي أم الخائن ؟ العصبي أم الرصين ؟ الرومانسي أم البرجماتي ؟

فتأتي الإجابة المنطقية : نعم حَلمت به كثيراً ، هو نفس بشرية فيها كثير من المنطق وقليل من الجنون ، فيض من الطيبة وبعض من القُبح ، بحر من الأكاذيب ونهر من الصدق ، يحبني غير أن بعض تصرفاته تؤذيني ، هادئ غالباً وعنيف أحياناً ، مُفعم بالعقل والحكمة مع مسحة من الإندفاع والجُموح ..

أخيراً : هل سيأتي يوم ألتقيه ؟..لا أعرف ، أخاف منه ، أخشى إنفعلاته ، وتقلباته ، ومفاجآته .. لكن ربما مر كغيره من الناس ، بعد كل تلك السنوات ، بأحداث عصيبة وتجارب أصقلته ومَحكات صعبة بَدلته ، ومواقف مؤثرة ومعاناة أنارت بصيرته ، فصار أكثر حكمة وأقل شططاً ..

إخترنا لك بالڤيديو د.طارق شوقي يَرد على تصريحات شاومينج حول تسريب إمتحانات الثانوية العامة : ” المّية تكِدب الغَطاس “

نرشح لك د . هالة زايد تُعلن عن الإتفاق الإفريقي المُوحد للقَضاء على الإيدز بحلول عام ٢٠٣٠

نرشح لك د . رامي جلال يَكشف عن خدمة جديدة لتوصيل لِقاح كورونا “دليڤري” و الفِئات المُستفيدة من التَطعيم بالمنزل .

نرشح لك تَحذير هام جداً من التَضامن بشأن الرسائل الهَــاتفية الكَاذبة عبر السوشيال ميديا و إتخاذ كافة الإجراءات القانونية حِيال مُروجي تلك الرسائل

نرشح لك الصحة تُحذر المواطنين من وجود أي فِرق تَابعة لها تقوم بالإتصال بالمواطنين للحصول على معلوماتهم