ليس سراً ان المتأسلمين في العالم يجهزون أنفسهم ويحشدون عناصرهم ويجيّشون وسائل إعلامهم لمساندة مرشح الحزب الديموقراطي في الانتخابات الاميركية جو بايدن، هم يعتقدون أن لهم تأثيراً، ويستندون الى خبرات جماعة “الإخوان المسلمين” في الانتخابات في المنطقة العربية والتي مكنت الجماعة من تحقيق حضور في مجالس نيابية والفوز بالغالبية في دول بعينها، بل وصل الأمر الى الاستحواذ على الحكم وإقصاء القوى السياسية الأخرى كما حدث في مصر خلال السنة التي حكموا فيها أكبر بلد عربي .

اللافت أن “الإخوان” صاروا أكثر حماسة من الأميركيين أنفسهم للانتخابات الأميركية، وهم احتفوا وروجوا ونشروا على نطاق واسع التصريحات التي أطلقها المرشح الديموقراطي وتضمنت انتقادات صريحة للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، ورأوا أن بايدن نفسه يرغب في الاقتراب منهم، بل التعبير عنهم وتحقق آمالهم في استعادة حكم مصر وتسهيل انطلاقهم منها للسيطرة علي العالم العربي، كما انشغلوا بتبرير وتسويق قرار بايدن اختيار عضو مجلس الشيوخ كامالا هاريس نائبة له في سباق الانتخابات الرئاسية، وفي الوقت ذاته تجاهلوا كلام بايدن السلبي عن الرئيس التركي .
المتابع للانتخابات الاميركية في العقود الأخيرة يدرك أن المتأسلمين لا يمثلون رقماً يعتد به في صناديق الاقتراع، وأن الصخب الذي يحدثونه عادة في مناسبات كتلك غير مثر فعلياً على الناخب الأميركي الذي غالباً يعتبرهم دخلاء على مجتمعه. “إخوان” مصر كغيرهم من بقية عناصر التنظيم في العالم لا يحبون ترامب ولا يفوتون فرصة إلا ويظهرون عداءهم له واعتراضهم على سياساته ويتعاملون معه باعتباره داعماً لعدوهم الأول السيسي، هنا لا مجال لطرح سؤال حول غياب الوعي لدى “الإخوان” بالنسبة الى طبيعة الناخب الاميركي، فرعاة الجماعة وممولوها انفقوا ملايين الدولارات منذ إطاحة حكم “الإخوان” في مصر بهدف اسقاط حكم السيسي أو على الأقل نشر الفوضى والإرهاب واللعب على أوتار الفقر أو الفتنة الطائفية بين المصريين من دون جدوي، حتى أن أعضاء في “الإخوان” صاروا يروجون الوعود التي أطلقها قادتهم بقرب العودة الى السلطة ويجدون أنهم في بعض الفترات صدقوا دعوات للتظاهر او الاعتصام أو إعلان العصيان وتبينوا بعدها أنها كانت مجرد تظاهرات على مواقع التواصل الاجتماعي واعتصامات وهمية وعصيان لم ينفذه احد، وعلى ذلك فإن قدرة “الإخوان” خصوصاً، والمتأسلمين عموماً على التأثير في الانتخابات الاميركية تبقى شكلية من دون ان تترجم واقعاً، فالمنصات الإعلامية “الإخوانية” واللجان الإلكترونية التي تعتمد عليها الجماعة للإيحاء بصورة نمطية تمنح “الإخوان” قوة أكبر من مقدراتهم الحقيقة ونفوذاً يفتقدونه إلا داخل أوساط الجماعة ومستوياتها التنظيمية، ستنقل كل تحرك لـ”الإخوان” في الولايات المتحدة وستظهر تجمعاتهم وكأنها عاكسة لمواقف الاميرييين وأرائهم وستبيّض وجه بايدن وستسعي الى استغلال أخطاء ترامب ونشرها واللعب على اوتارها، لتأتي نتائج الانتخابات بعدها لتثبت ما هو مثبت فعلاً وتبدأ الجماعة النواح وترويج خطاب المظلومية وتبشير عناصرها بالمحنة.
يتذكر المصريون الأسباب التي كانت تمنح “الإخوان” أفضلية في كل انتخابات حتى اقتنصوا الحكم، فالانطباعات التي ظلت سائدة لدى البسطاء وبين الناس في الأحياء الشعبية لعقود أن الجماعة سلمية ولا تبحث عن السلطة وانما هي في خدمة المواطنين، وأن إقدام رجال أعمال من “الإخوان” على تأسيس اقتصاد مواز لاقتصاد الدولة هدفه أساساً تسهيل حياة الفقراء وتقديم العون لهم، وان السخرية من إقدام مرشحي “الإخوان” في كل انتخابات على توزيع المواد التموينية كالسكر والزيت تقوم به أوساط حكومية للإساءة الى هؤلاء المرشحين الطيبين القريبين من الله، فالصورة اختلفت بالطبع بعدما أظهر “الإخوان”، وهم في الحكم، حقائق عن انفسهم لم يكن الناس يعرفوها عنهم، أولها تحالفهم مع تنظمات راديكالية ظلوا على مدي عقود ينفون أي علاقة بها ويعترضون على أفعالها ويدينون عملياتها، وأخرها إقصاء غيرهم من القوى السياسية حتي تلك التي ناصرتهم ودعمتهم وساندتهم من الليبراليين واليساريين، وبينها جرائمهم في حق الشعب المصري واعتداؤهم على معارضيهم ومحاولة تغيير هوية البلد وسرقة تراثها والعبث بتاريخها.
كل ذلك عوامل لا علاقة لها بأنماط التعامل في المجتمع الأميركي الذي تتجاوز فيه الرُشى الانتخابية من مستوى توزيع السكر والزيت على الناخبين، ولا ينظر أصلاً الى المتأسلمين كضحايا أو مظلومين، ولا ينتظر نصائح من تنظيمات وجماعات مارست العنف وما زالت تحرض عليه، أما المنظمات الحقوقية والمراكز البحثية ووسائل الإعلام المخترقة “إخوانياً”، فهناك معادلة لها تقف الى صف المرشح الذي تعتبره “الإخوان” عدواً لهم، المهم أن قناعات المتأسلمين أن فوز بايدن كفيل بكبح جماح السيسي، ووقف الإجراءات التي يتخذها لمواجهة نشاط تنظيمهم في مصر وربما دول اخرى، ومنع المساعدات الأميركية لمصر ، وممارسة ضغوط لإطلاق قادة وعناصر “الإخوان” من السجون، والحؤول دون تنفيذ أحكام الإعدام الصادرة في حق عدد منهم، كلها تتغافل عن حقيقة يعرفها كل المتابعين للشؤون المصرية وتطورات الأحداث من إطاحة حكم “الإخوان” في ذلك البلد العربي، مفادها ان ثورة 30 حزيران (يونيو) 2013 وما تلاها من أحداث كلها جرت في ظل حكم باراك اوباما، الذي عجز عن إنقاذ “الإخوان” أو منع الإطاحة بحكمهم لمصر، ووقتها كان بايدن نفسه في موقع نائب الرئيس ضمن ادارة كانت تتبنى توجهات تصب في مصلحة الإسلاميين عموماً و”الإخوان”خصوصاً.
يطلق المصريون تعبيراً بالعامية للسخرية من أي جهة أو شخص يقحم نفسه في أمر لا يخصه أو لا تأثير له عليه بأنه “يهيص في الهصية”، والمؤكد أن خبرات “الإخوان” في توزيع الزيت وبقية المواد التموينية علي الناخبين لا يضمن لهم أبداً فوز بايدن لينالوا سكّره.