شعب مصر

الكاتب الصحفى / محمد صلاح يكتب : شيوخ المجلس!

تجري في مصر اليوم وعلي مدي يومين انتخابات مجلس الشيوخ بعدما انتهت عملية اقتراع المصريين في الخارج التي جرت خلال اليومين الماضيين ، ورغم حماس المرشحين والاحزاب المتنافسة  الا ان واقع الامور يشير الي عدم اكتراث قطاع من الشعب لاختيار نواب لمجلس لا يرون له نفعا او ضرورة ، الحديث بالطبع لا يشمل الاخوان الذين يصطادون في كل مياه عكرة ، ولا يتوقفون عن استغلال كل حدث وأي تطور لنشر الفوضي او ارباك المجتمع ، المسألة تتعلق بالمواطن العادي الحريص على الدولة ، والمتصدي لمؤامرات الاخوان وداعميهم ، والمتحمل تبعات برنامج الاصلاح الاقتصادي ، بل والمحب والمؤيد للرئيس عبد الفتاح السيسي ،لا يمكن اخفاء حالات السخرية من ان مرحلة الدعاية الانتخابية اظهرت للناس وجوها كانت اختفت ، وشخصيات كانت توارت واحزابا عفا عليها الزمن أو لا يعرف الناس عنها وربما لم يسمعوا بها الا حديثا ، بعضهم أعتبر ان المجلس الذي عاد بأسم جديد ، وفقا للدستور ، بعدما اختفي لفترة ومعه اسمه القديم : مجلس الشوري ، سيصبح مجلسا لشيوخ الحزب الوطني ، اي رموز حزب السلطة في عهد مبارك والذي جري حله بعد احداث الربيع العربي ، واخرون سموه :مجلس شيوخ حزب النور ، بعدما تبين ان حزب النور السلفي رشح اعدادا من رموزه لخوض تلك الانتخابات ، علما بأن الحزب لم يدخل في اي صدام مع الحكم بل ساند الاجراءات التي اتخذت ضد الاخوان .

والحقيقة ان النظام الحزبي في مصر يعاني امراضا ومعضلات كثيرة الي درجة تجعل البعض يراه مجرد ديكور لا فائدة منه ولا تأثير له ، وأن لا احزاب حقيقية في البلد ، لكن يبدو ان الاحزاب نفسها لا تشعر بأي ازمة، بل تعتبر ان الامراض خارجها والمعضلات ليست بسببها وانما صدرت لها ، و أن الكل مخطئ ماعدا رموز الاحزاب ، وأن العراقيل وضعت في طريق الاحزاب فتعثرت،  دون أن تدري أنها أصلاً سارت، ومازالت ، في الطريق الذي اوصلها الي تلك الصورة الكرتونية والتأثير الغائب .

 اداء الاحزاب المصرية قبل واثناء وبعد ان ضربت اعاصير الربيع العربي المنطقة يجعلك تشك في  إمكان إصلاحها ، فالقديم منها تطارده السمعة السيئة والاداء المتردي، اما الاحزاب التي خرجت من رحم الميادين وبرامج الفضائيات فسمحت لتنظيم الاخوان ان يمتطيها وكادت ان تتسبب في ضياع البلد وتقسيمه فلاحقتها اتهامات الانتهازية  والمراهقة السياسية . 

ورغم التحديات التي واجهتها مصر وضراوة الحرب ضدالارهاب واستنفار المجتمع للتصدي لمؤامرات الاخوان ظلت تصرفات الأحزاب والقوى السياسية والشخصيات النخبوية على حالها دون تغير، وكأنها صارت كيانات تظهر دوريا مع كل انتخابات او عمليات الاقتراع ثم تروح في ثبات عميق ،  ويبدو أن قادة هذه الاحزاب جميعاً لم يدركوا أن الزمن يمر، وأن ما كان مقبولاً قبل سنوات لم يعد متصوراً حدوثه الآن، وأن الناس قد يصيبها بعض الملل من تكرار الوجوه نفسها والتصرفات ذاتها!! 

لم يدخل حزب واحد في مراجعات حقيقية للبحث في اسباب غيابه عن القاعدة الشعبية وانفصال الجماهير عنه ، ولم يضع أي حزب برنامجا يتضمن مقترحات لمواجهة نشاط الاخوان المدمر مثلا ، ولم يبتكر اي من الاحزاب القائمة أو يفكر خارج الصندوق للتعاطي مع معضلات وتحديات تحظي باهتمام المصريين كقضية سد النهضة او المواجهة مع تركيا في المتوسط وليبيا .

لم تدرك الاحزاب السياسية المصرية المخاوف من انحسار المنافسة في انتخابات الشيوخ بين الحزب الوطني المنحل وبين المنتمين أو المتعاطفين بشكل أو بآخر مع حزب سلفي!! اذ قررت الاحزاب ان تتقدم بقائمة موحدة بعدما اتفقت علي توزيع حصص المقاعد المطروحة للاقتراع بينها لترتاح من عملية التنافس ، ألا يعني ذلك أن لا ظهير لتلك الأحزاب بين الجماهير؟ كيف لا يتوقف قادة وزعماء ورموز الأحزاب عن تسول مقاعد البرلمان وهم أدرى من غيرهم أن استغلال القوانين للقفز الي واجهة الصورة ، والدوائر لتكون على مقاساتهم ، ونظام الانتخابات ليضمن لهم جزءاً من كعكة مجلس نيابي ، أمور كانت تتم وتصلح وجرى الاعتياد عليها في عهود سابقة ، وان الناس صاروا اكثر دراية بالاعيب السياسيين ، واصبحوا واعين تماما بأن لا تأثير للاحزاب . وبغض النظر عن الوجوه الباقية من الحزب الوطني ومدى قدرتها على خوض المنافسة الانتخابية والتأثير في الناس ونيل المقاعد، أو رغبة السلفيين أو استعدادهم للاحتكاك مجدداً بالمواطنين ودفعهم إلى الاقتراع لمرشحيهم، والأموال التي مازالت في حوزتهم أو تأتيهم من الجهات الداعمة لهم، يكفي الإشارة إلى أن آخر انتخابات جرت في عهد مبارك لم ينل فيها الحزب الوطني إلا نحو ٣٣ في المئة من مقاعد البرلمان رغم المال والنفوذ والسطوة والسلطة والإعلام، واللعبة كانت معروفة ، إذ ينضم غالبية المستقلين إلى الحزب بعد الفوز في الانتخابات ليقتربوا من السلطة أكثر وبالتالي المال والنفوذ.

ظلت الاحزاب تشكو الملاحقات والتضييق في عصر مبارك، وهي على مدى نحو تسع سنوات منذ رحيله عن السلطة لم تفعل شيئاً سوى زيادة عدد ساعات ظهور رموزها في برامج الفضائيات، أو  التحالف مع الاخوان طمعا في مقعد في البرلمان او منصب وزراري ، بينما الفراغ السياسي الذي تركه الوطني والإخوان لم يملأه أي حزب، وإنما تُرك ليحتله مجدداً بقايا الوطني والسلفيين!! تعاني الأحزاب المصرية امراض لا شفاء منها ولا فرق بين ماضيها وحاضرها، وبالتالي فإن مستقبلها أيضاً سيكون عند المستوى نفسه من الاهتراء الذي لم يُمكِّن تلك الأحزاب من ادراك المؤامرات التي حيكت  ضد مصر او التي تحاك الان ، والحقيقة ان سلوك الاحزاب وخطايا الاخوان والازمات التي عانتها مصر بفعل الربيع العربي افقدت الناس الثقة في الاحزاب خصوا ان الاخوان كان لهم حزبهم والسلفيين ايضا ، حتي تنظيم الجماعة الاسلامية الذي اغتال عناصره الرئيس السابق انور السادات اطلوا علي الناس بحزب سياسي . ازمة النظام الحزبي في مصر تتجاوز انتخابات للشيوخ أو حتي اسماء المرشحين ، وتحتاج الي اعادة ثقة ما بين المواطن والسياسي الحزبي ، غير أن كل المعطيات علي الارض تشير الي ان المواطن لا يثق في الاحزاب فقط ، بل يري ان اضرارها تفوق بكثر الفائدة منها .

Exit mobile version